لا أذكر أن الحكومة استغلت يوما ما توافر الأغلبية لإقرار قوانين من شأنها ترسيخ مبادئ دولة القانون والمؤسسات، أو وضع أسس استراتيجية للتنمية الحقيقية أو إصلاح الإخفاقات المالية وتنويع مصادر الدخل، أو ما يتعلق بتطوير الخدمات العامة للناس، وعندما تتغير المعادلة وتتحول إلى أقلية فإنه لا يعجبها العجب.

Ad

الحكومة بين "حانة ومانة" فيما يتعلق بالخروج من الأزمة السياسية الحالية، ويبدو أنها غصت بمجلس 2009 فلا هي قادرة على بلعه ولا قادرة على لفظه، وإذا ما أصرّت على هذا الموقف المتردد فبالتأكيد سوف تموت بغصتها! مشكلتنا في الكويت مع مختلف الحكومات المتعاقبة، وخاصة في مرحلة ما بعد التحرير أنها تستأسد في حال توافر الأغلبية البرلمانية معها، ومع ذلك فإنها تستثمر هذا الظهر النيابي إما لتمرير المشاريع الفاسدة أو التغطية على بلّاعي الملايين في صفقات النهب والسلب، ولا أذكر أنها استغلت يوما ما توافر الأغلبية لإقرار قوانين من شأنها ترسيخ مبادئ دولة القانون والمؤسسات، أو وضع أسس استراتيجية للتنمية الحقيقية أو إصلاح الإخفاقات المالية وتنويع مصادر الدخل، أو ما يتعلق بتطوير الخدمات العامة للناس. وعندما تتغير المعادلة وتتحول إلى أقلية فإن حكوماتنا لا يعجبها العجب، وأهم ما تبدأ تلك العقلية الجبارة بالتفكير فيه هو تغيير قواعد اللعبة السياسية، ولو من باب رعاية الفتنة وإشغال الناس بعضهم ببعض، والموقف الراهن للحكومة الحالية خير دليل على هذا الوضع المأساوي، حيث جندت كل إمكاناتها للتعامل مع قانون النظام الانتخابي لأن الأغلبية المعارضة لها لا تعجبها ببساطة. ومع ذلك فهي غير قادرة على حسم أمرها بحل مجلس 2009 وفق الإجراءات الدستورية الصحيحة، ولا بالرجوع إلى المحكمة الدستورية للطعن بدستورية قانون الدوائر الخمس، ولا بإصدار مرسوم ضرورة لتعديل الدوائر، وأمام هذه الحيرة الكبيرة التي تحيّر معها البلد برمته تتأصل كل معاني العجز السياسي وعدم الكفاءة التي تحفز بدورها ارتفاع حدة وسقف المطالب السياسية بما فيها الحكومة المنتخبة. في رأيي أن الحكومة لا تملك البدائل، ولا حتى الأوراق السياسية التي تستطيع اللعب فيها خلال هذا الوقت الضائع، وبالتالي فإن الخيار الوحيد الذي يجب عليها أن تحترمه والتعاطي معه هو الإسراع في حل مجلس 2009 والدعوة لانتخابات جديدة وفق النظام الحالي، وإذا كان لديها أي مقترحات بشأن تعديل الدوائر فلتناقشه مع البرلمان الجديد مهما كانت تركيبته، وتعطي لمثل هذا الأمر أولوية قصوى للخروج بتفاهم حول قانون جديد للدوائر الانتخابية حتى لو قدمت طعون جديدة، وبغض النظر حول حكم المحكمة الدستورية بشأنها مستقبلا، أما اللف والدوران في دوامة مكررة وبائسة فلن تجد نفعاً، بل إنها ستزيد الطين بلة كما هو حاصل أصلاً!