عندما تشكل المجلس الجديد- مجلس الصوت الواحد- حاولنا أن ننظر إلى لأمور بشكل إيجابي، وإن كانت الإيجابية صعبة في ظل مجلس لم ينتخبه إلا الأقلية من إخوتي الناخبين، ولكن لا نستطيع أن ننفي أن بعض نواب المجلس الحالي أعقل بكثير من نواب أغلبية المجلس المبطل، ولا نستطيع أن ننكر تنوع المجلس في أعضائه وابتعاد صبغة التطرف الديني عن أغلبيته الحالية.
هذا وقد أخذني الخيال والتفاؤل إلى درجة الاعتقاد أنه لربما يكون هذا المجلس قادراً على تحقيق بعض الإصلاحات التشريعية المستحقة التي وعد بها نواب سابقون وأخلوا بوعدهم، مثل استقلالية القضاء، وقوانين صارمة لمكافحة الفساد الإداري، بل كنت أعتقد أن هذا المجلس بتركيبته الحالية قد يشكل أرضاً خصبة لإدخال بعض التعديلات الدستورية التي تزيد من الحريات اتباعا للمادة ١٧٥ والتي تنص على الآتي "الأحكام الخاصة بالنظام الأميري للكويت وبمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها, ما لم يكن التنقيح خاصا بلقب الإمارة أو بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة".يا له من حلم كاذب!ففور انعقاد المجلس أتى ستة من النواب ينحدرون من خلفيات مختلفة يطالبون بإسقاط فوائد القروض، وهدد نائب آخر وزير الكهرباء والماء بالاستجواب إذا قام بقطع الكهرباء والماء عن المواطنين الذين امتنعوا أو تأخروا عن دفع فواتيرهم. بينما يصرح نائب رئيس مجلس الأمة فور فوزه بالمنصب بأن "الحكومة هي الأساس وهي من يقود المجلس". ولعل الأدهى والأمر هو تصريح أحد النواب بأن الأجهزة الأمنية "مخترقة" من المقاطعين!يعني بكل بساطة ومن أول أسبوع من استلام مهامهم الوظيفية، أظهر نواب مجلس الأمة الحالي أنهم يمثلون مواطنين "غير مسؤولين اقتصاديا" ينظرون للدولة كمبرة زكاة، ومواطنين لا يعترفون بالقانون الذي ينص على سداد أي فاتورة، كهرباء كانت أم بطاقة ائتمان أم الهاتف النقال، ومواطنين لا يعون أبسط مفاهيم الفصل بين السلطات والتي تنص على أن المجلس يشرع للحكومة ويراقب أداءها لكنه لا يُقاد من قبلها، وأهم من هذا كله، النواب يمثلون مواطنين يطعنون في وطنية وإخلاص وولاء إخوانهم المواطنين لمجرد الاختلاف على قضية سياسية!أي تنميةٍ هذه التي سوف تأتي على يد من يكرس مبدأ الدولة الريعية والمواطن المتسول؟ أي إنجاز هذا حينما يهدد وزير باستجواب لمحافظته على المال العام؟ أي وحدة وطنية سوف تحقق حين يتم وأد روح المواطنة المبنية على الواجبات والحقوق واستبدالها بروح الرعية "اللي عايشة على خير الأيواد"؟!إن كانت هذه المقترحات تأتي ممن يتشدق بالولاء لهذه الأرض الطيبة فاسمحوا لي أن أقول لكم بأن هذا ولاء اللئام، لأن اللئيم لا يخلص لأحدٍ إلا إذا كان يريد الاستنفاع منه، ولن يحميه من الخطأ لأن الاعتراض على قرارات ولي نعمته قد تفقده مميزاته، وهذه أهم من دوام العدالة وديمومة الوطن.أما ولاء الكرام فهو الإخلاص للوطن بالرغم من تعسفه معنا في بعض الأمور، وتقديم النصح والمشورة لصاحب القرار حتى إن كان ذلك النصح يؤذي مسامع صاحب القرار، ويضر مصالح الناصح. ولاء الكرام هو الوقوف مع الحق بالرغم من اختلافنا مع من يقف جنبنا وحزننا على من تخلى عن مبادئنا. ولاء الكرام هو تطبيق حديث المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فسأل الرجل رسول الله عليه الصلاة والسلام، إذا كان ظالماً كيف أنصره؟!فقال رسول الله: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن في ذلك نصره".إن كان لي رجاء واحد لنواب المجلس الحالي فهو أن يعوا من هم الكويتيون. نحن لسنا متسولين أو تبعاً أو جواسيس. نحن الكويتيين، جبلنا على الكرامة والأنفة واحترام الذات.
مقالات
ولاء الكرام
22-12-2012