أيهما له الأولوية، الأمن الوطني أم حقوق الإنسان؟ سؤال لم يكن مطروحاً قبيل ديسمبر 1948 حين صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي نقل السؤال من حالته الافتراضية إلى جعله التزاماً دولياً ستضطر الدول إلى الإجابة عنه.

Ad

فقبل صدور الإعلان كان "الأمن الوطني" له الأولوية، أما حقوق الإنسان فلم تكن على الخريطة الذهنية للساسة، وعلى مدى 64 عاماً تم وضع هذه المسألة على المحك، وتحت الاختبار مئات بل آلاف المرات، ومن دول كبرى وصغرى، وكانت الإجابة لدى كثيرين واضحة وسهلة، وهي الأمن الوطني له الأولوية، فهيمنة الدولة، و"شرعيتها"، واحتكارها للقوة، وقداسة السلطة، مفاهيم قديمة قدم التاريخ، ثم دخل مفهوم السيادة في القرن الـ17 بعد معاهدة وستفاليا، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية بعد الحرب العالمية الثانية لتترسخ تلك المفاهيم القديمة. بالمقابل فإن مفهوم حقوق الإنسان هو مفهوم حديث يحاول بذاته أن يصمد أمام تغول السلطة التي ترى الخروج عن تلك المفاهيم خروجاً على هيبة الدولة وسيادتها، وعليها أن تتعامل مع ذلك الخروج بالشدة اللازمة إما لاستعادة "هيبة" مفقودة، أو إظهار لقوة لا داعي لها.

الصراع بين المفهومين هو صراع بين الفكر القديم والمستجد في عجلة التاريخ، وهو صراع مستمر موجود في كل مجتمع. وفي حين نجد المفهوم الأمني القديم لا يضع اعتباراً للإنسان، نجد المفهوم الحقوقي لا يلغي الأمن الوطني، لكنه يتعامل معه على أنه جزء من منظور متكامل شامل، فهو جزء لا يتجزأ من مفاهيم العدالة والمساواة واحترام كرامة الإنسان التي إن تحولت إلى واقع معيش يتحقق الأمن الوطني بسلاسة وهدوء، ويبقَ استخدام العنف من الأجهزة الأمنية مقتصراً على الخارجين على القانون، والتي يؤيدها الجميع بلا استثناء.

أيهما له الأولوية، الإنسان أم الأمن؟ سيظل سؤالاً إجابته محسومة لدى الفكر القديم الذي ترتكز عليه فكرة الدولة المتسلطة عبر التاريخ، وهو فكر مترهل لا إبداع فيه، يحمل تناقضاته داخله، مهما بدا ظاهرياً أنه مسيطر على الأوضاع، ويبدو أن عجلة التاريخ تسير في اتجاه آخر تماماً، وهو أن كرامة الإنسان وقيم كالعدالة والمساواة هي الأساس في الأمن الوطني، وهو ما سنراه في الساحة الدولية، ومنطقتنا ليست استثناءً.