لماذا لم يعد الحب أكبر منا ولا أقوى؟!

Ad

ولماذا لم يعد قدراً مهيباً كالحياة والموت؟!

ولماذا لم يعد يشكل لنا خارطة حياتنا، ويلوّنها بألوانه المائية كيفما يشاء وكما يشتهي، ويخطّ ما ينتقي من كلماته القدسية على جدران أعمارنا؟!

لماذا لم يعد الحب يملأ كفوفنا بزهر الرجاء، فيصبح ذلك الزهر شوكاً دامياً أبدعته الخيبات، فنسارع بعلاج أكفّنا لنملأها مرة أخرى بزهر الرجاء، لا نتعب نحن من مدّ تلك الزهور، ولا يمل الحب من ردّ كفوفنا إلينا محمّلة بشوك الخيبة، لا يخشى يأسنا ولا زعلنا ولا حتى غضبنا؟!

لماذا لم يعد الحب قادراً على دفعنا للقفز في قاربه الشراعي المتجه نحو مسقط الشلال العالي؟!

لماذا لم تعد ريحه قادرة على إغراء خطواتنا للسير في الدرب الذي يختاره لنا واعداً إيّانا بالنعيم وحسن الثواب؟!

هل فقد الحب بريقه بالنسبة لنا؟!

هل يشيخ الحب مثلنا مع الزمن فيفقد الكثير من قوته وعافيته، ويكتسي رأسه بالبياض، وتغيّر ملامح وجهه التجاعيد، ويضعف بصره، ويضطر إلى التوكأ على عصى عند المسير؟!

هل يصاب الحب بالوهن؟!

أين ذهب جبروت الحب وسطوته التي لطالما قرأنا عنهما في الكتب القديمة، وسمعنا بعض حكاياته من آبائنا الأولين، وحملت الأغاني المتوارثة بعض أثره؟!

سمعنا أن الحب كان قادراً على سلب حياة من يشاء، وقادراً على إعادة الحياة للأموات الذين مازالوا على قيد الحياة، سمعنا أنه يقدر على حرمان من يريد من العباد لذة الطعام،

ولذة النوم، ولذة العيش، ويقدر في ذات الوقت أن يهب من يريد جنّة لا شقاء فيها، وسمعنا أن به يكتفي المرء عن عذاب الدنيا كلها، وبه يكتفي عن هنائها، سمعنا عن قدرة الحب كثيراً من الأعاجيب التي قصر دونها الخيال، فما بالنا لا نرى في وقتنا الحاضر شيئاً من ذاك؟!

لم نر في زماننا هذا شيئاً من قدراته الخارقة. لم نر من الحب سوى جسد هزيل، وروح خرعة...!! الحب الذي عرفناه بيننا ليس سوى درويش يلاحقه صبيان المدينة بالأغاني الساخرة والحجر، يمشي في الأزقة بلباسه الرث متلفتاً خلفه خائفاً مرعوباً، يتّقي ضحك المارّة وشماتتهم بالنظر إلى الأرض و"طرقعة" أصابعه! هل تعلّم الإنسان حيَل الحب فتغلّب عليها؟ّ!

هل كشف خدعه واستطاع فك رموز ألاعيبه السحرية؟!

كيف استطاع الإنسان تدجين الحب وامتطاءه كما يمتطي راحلته الأليفة؟!

كان الإنسان (كما قيل لنا) لعبة في يد الحب، فأصبح الحب الآن لعبة في أيدينا، كان هو الملك المطاع الذي لا يُردّ له أمر، فأصبح لنا عبداً مطيعاً نستخدمه لقضاء حوائجنا إذا ما أردنا ذلك، حياته رهينة عندنا بعدما كانت حياتنا رهينة لديه!

المؤسف أننا لم نحرّر أنفسنا سوى منه، فنحن أسرى كل شيء عداه، بعضنا أسير للمال، وبعضنا أسير لمصلحته، وآخرون أسرى للسلطة والنفوذ، وهناك من هم أسرى شهواتهم، وغيرهم للشيطان.

وعندما نمعن الفكر قليلاً، نجد أن الحب كان يسلب حياتنا ليطهّرها وينقّيها ليسمو بها عالياً عن وحل الدنيا، في حين أن ما سواه يمرّغنا في وحل الحياة ويشوّه أرواحنا.

فلبئس ما فعلنا بأنفسنا.