في سنوات سابقة، تعود إلى فترة ما بعد بدايات ثمانينيات القرن الماضي نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" رسماً "كاريكاتورياً" للفنان اللبناني المبدع محمود كحيل، الذي رحل عن هذه الدنيا وهو في ذروة عطائه، يُظهر فيه الرئيس اللبناني وهو يصافح ظلّ يد وزير الخارجية الأميركي وهو يمدها ليصافح الرئيس السوري السابق حافظ الأسد وكانت وقتها السيطرة السورية على لبنان، عسكريا وأمنياً وسياسياً، مُحكمة وشاملة.

Ad

كانت الولايات المتحدة تكتفي في تلك الفترة، التي امتدت منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي وحتى إخراج القوات السورية من بيروت بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في عام 2005 وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559، بإرسال مبعوثيها إلى دمشق حتى إذا كان الأمر يتعلق بالدولة اللبنانية، فقرار هذا البلد كان في العاصمة السورية وفي يد حافظ الأسد وبعد وفاته انتقل إلى يد ابنه بشار، وقد جرت العادة أن يذهب إلى بيروت بعد كل زيارة من زيارات أحد المسؤولين الأميركيين إلى العاصمة السورية موظف سوري ليبلغ المسؤولين اللبنانيين ومن بينهم رئيس الجمهورية ببعض ما يرى الرئيس السوري أن هناك ضرورة لإبلاغهم به وإطلاعهم عليه.

كانت الدولة اللبنانية في تلك الفترة، وبكل ما فيها، جزءاً من سورية، وكان قرار لبنان في دمشق وكان الرئيس اللبناني مجرد موظف من الدرجة الأولى لدى دوائر المخابرات السورية وكذلك الأمر بالنسبة لرئيس الوزراء وكل وزرائه بمن فيهم وزير الخارجية، وهذا من المفترض أن يكشف النقاب عنه وبكل تفاصيله نائب الرئيس السوري السابق عبدالحليم خدام، الذي انتهت به الأمور إلى حياة المنافي في باريس، في مذكراته عن لبنان التي يقال إنها وصلت إلى الألوف من الصفحات.

الآن دارت الدوائر وانقلبت الأمور وغدا قرار "دمشق العرب" في طهران، وبات اللاعبون الدوليّون، المعنيون بالأوضاع السورية المتفاقمة، يذهبون إلى إيران للتحاور مع الولي الفقيه وكبار المسؤولين الإيرانيين هناك، ويذهبون أيضاً إلى موسكو وبكين ما يؤكد أن قرار مستقبل هذه الدولة العربية الفعلي لم يعد في يد رئيسها بشار الأسد بل في يد إيران وروسيا والصين، وأن من أراد التعاطي الفعلي مع هذا الأمر فإن عليه الذهاب إلى عواصم هذه الدول كما فعل المبعوث الدولي والعربي كوفي أنان وكما فعل رجب طيب أردوغان.

والمستغرب أن كبار المسؤولين السوريين، وفي مقدمتهم الرئيس بشار الأسد نفسه، ما زالوا يُصرون على رفض تدويل الأزمة السورية المتفاقمة والمستفحلة، وكل هذا رغم ترحيبهم بمهمة أنان واستعدادهم للتعاون من أجل تطبيقها وإنْ من قبيل إفراغها من محتواها وجعل نهايتها كنهاية المبادرة العربية التي أغرقتها دمشق في التفاصيل المملة وجعلت نهايتها هذه النهاية المأساوية.