فلسطين النكبة الأولى والجرح النازف أبداً، والقضية الأهم في منطقتنا وثقافتنا، وما برحت تذكرنا بعجزنا وعار تخاذلنا تجاهها كلما سقط فيها الشهداء، وهدمت فيها البيوت وحرقت بأرضها الزروع، بل كلما حاول الغاصبون تدنيس الأقصى. ويرتفع منسوب السقوط لدينا عندما تنفض بعض الأنظمة العربية يدها منها باعتبارها قضية داخلية بحتة، لكن الأخطر من هذا هو عروض المزايدة باسمها تحت مسمى "الصمود والممانعة" التي انكشفت عورتها وزيف شعاراتها من خلال الربيع العربي، لتبين أن أنظمة المقاومة والهيجان الثوري هي الأكثر قرباً والأكثر ضماناً لأمن إسرائيل، والتي أوصلتنا إلى النكبة الثانية في سورية حيث الجرح أشد إيلاماً وأشد نزفاً وأوسع دماراً وبيد من؟!... بيد من يفترض أنهم سدنة الوطن وحماته، لكنهم تحولوا في ظل ثقافة "المقاومة والممانعة" إلى عصابات كعصابات "الشتيرن والهاغانا" لإبادة الحرث والنسل متسلحين بحقد طائفي لم تعرفه حتى إسرائيل بهذا الشكل رغم عنصريتها القاتلة من خلال شعار "الأسد أو لا أحد". الأجواء التي تمر بها الثورة السورية الآن أشبه كثيراً بالظروف التي مرت بها الأمة العربية خلال النكبة الأولى، حيث الضعف والتخاذل والتبعية إضافة إلى مجتمع دولي متواطئ مع ما يحدث... ولا ندري إن كان هناك "وعد بلفور آخر" خفي أُعطي للنظام الأسدي بخلوة سرية يمنحه- بحال عجزه عن إخماد الثورة- وطناً قومياً "للطائفة"، وهذا ما يتضح لنا من خلال عملية التطهير الطائفي التي تقوم بها ميليشياته في مناطق متعددة تشكل امتداداً لمناطق نفوذه كـ"الحفة" و"حمص" و"اللاذقية" و"جسر الشغور"، وأيضاً من خلال تدفق السلاح إليه والعابر من قناة السويس- للأسف- إلى مينائه الطرطوسي والآتي من حلفائه، وذلك لتحصين كيانه المفترض أو ملاذه الأخير! بسقوط النظام تخسر إسرائيل واحداً من أهم حلفائها في المنطقة الذي أعطاها من الأمن ما لم تقوَ هي على صناعته، فكان سيفاً بتاراً على المقاومة الفلسطينية في سورية ولبنان حتى أسقط بندقيتها، وكان حارساً أميناً لحدودها الجولانية خلال العقود الماضية- مع التوضيح بأن صرعة "حزب الله" لم تقلقها لأن مشروعه فارسي مذهبي بامتياز وهذا يخدم أمن إسرائيل- وبوجود دويلة لهذا النظام على الأراضي السورية يضعف سورية والمنطقة ويدخلهما في آتون حرب مذهبية تبعد شبح العداوة عن إسرائيل، وتحصن أمنها وتعوضها عن سقوط حلفائها في الربيع العربي... وصمت الكل تجاه ما يحدث يقلقنا ككل لأن فزعة حلف الأطلسي تجاه البوسنة وكوسوفو وليبيا كانت حاسمة لا لبس فيها. أتمنى أن تكون هذه القراءة مبالغاً فيها، لكن من الحكمة أن نتبصر بالمشهد جيداً، وألا نثق بحمية المجتمع الدولي مهما استعرت خطاباته؛ لأننا نحن العرب لا نشكل رقماً مهماً في المعادلة الدولية حتى تؤخذ خياراتنا بالحسبان. السوريون يبذلون الدماء في سبيل حريتهم وكرامتهم، وسيبذلون أكثر في سبيل وحدة وطنهم، وإرادتهم سلاحهم لإسقاط النظام ووأد أي مشروع تقسيمي على أرضهم.
Ad