الإخوان والإعلام

نشر في 03-09-2012 | 00:01
آخر تحديث 03-09-2012 | 00:01
No Image Caption
 ياسر عبد العزيز لا يملك أي باحث أو محلل منصف إلا القول إن المجال الإعلامي المصري بشكل عام، ووسائل الإعلام المملوكة للدولة بشكل خاص، قد شكلا "بيئة معادية" لجماعة "الإخوان المسلمين" على مدى ثلاثة عقود من حكم مبارك، ولا شك أيضاً أن هذا المجال الإعلامي يعاني انفلاتات واختلالات صارخة تجعل بعض المنتمين إليه يرتكبون "جرائم مكتملة الأركان" على صفحات الصحف وأثير الفضائيات... لكن ذلك كله لا يبرر أبداً "الهجمة المرتدة الساحقة" التي تشنها الجماعة ضد حرية الإعلام والصحافة في مصر.

لقد قامت الجماعة، وذراعها السياسية الممثلة في حزب "الحرية والعدالة"، وبعض الأتباع والمناصرين، بمجموعة من الممارسات، التي استهدفت بوضوح تقييد حرية الصحافة والإعلام، والتنكيل بمعارضي "الإخوان" ورئيس الجمهورية، سواء كانوا من المعارضين الموضوعيين الحريصين على المصلحة العامة للبلاد أو غير ذلك.

ومن بين الإجراءات التي اتخذتها الجماعة وأذرعها السياسية والإعلامية ما يلي:

1- استغلال بعض الأخطاء والانفلاتات الصارخة لعدد من الإعلاميين والصحافيين في إشاعة مناخ من السخط على الإعلام والإعلاميين، وإقناع المجال العام بأن "الإعلام هو سبب الخراب وأس البلاء"، وبالتالي ضمان تهيئة الرأي العام لتقبل أي إجراءات تقييدية أو قمعية بحق حرية الإعلام والصحافة.

2- الترويع باستخدام الأدوات القضائية، عبر رفع قضايا من "الجماعة" و"الرئاسة" ضد صحافيين وإعلاميين، ورغم أن اللجوء إلى القضاء حقل أصيل للجميع، ورغم أن بعض المستهدفين بالقضايا ارتكبوا أخطاء فعلاً، لكنها أخطاء تماثل ما ترتكبه "الجماعة" وأنصارها في المجالين الإعلامي والسياسي على أي حال. كما أنه لا يليق برئاسة الجمهورية أن تنخرط في مثل هكذا قضايا في وقت تمتلك فيه أدوات لإصلاح المجال الإعلامي وإرساء هيئات تنظيم ذاتي يمكنها أن تتعاطى مع شكاوى الإعلام من دون أن تهدر حريته.

3- إسراع مجلس الشورى في استخدام ما يقول إنه حقه القانوني في تعيين رؤساء تحرير "الصحف القومية" المملوكة للدولة، ومن المؤكد أن من يعين القيادات ويمول الوسائل يضمن التحكم بأدائها تماماً، وقد كان أجدر بالمجلس تبني إحدى أفكار تحرير "الصحف القومية" وليس محاولة السيطرة عليها لاستخدامها كما كان يفعل "الحزب الوطني" المنحل في عهد مبارك.

4- تعيين وزير إعلام ينتمي إلى جماعة "الإخوان"، ورغم أن الوزير صلاح عبدالمقصود يمتلك خبرة نقابية محترمة ولا غبار على سمعته، لكن انتماءه الأيديولوجي يدحض الحديث عن رغبة في "إعادة الإعلام المملوك للدولة إلى الشعب"، ومن خلال هيمنة الوزير على اتحاد الإذاعة والتلفزيون، تصبح جماعة "الإخوان" هي المسيطر على كل وسائل الإعلام المملوكة للدولة من خلال الحكومة ومجلس الشورى.

5- محاولة بعض أعضاء "الجمعية التأسيسية" تمرير مواد في الدستور تجيز الحبس في قضايا النشر والرأي، ومحاولة إيراد جرائم تستوجب الحبس مثل "الإساءة إلى سمعة الأشخاص"، وقد خاضت الجماعة الصحافية نضالاً كبيراً لإزالة تلك العقوبات سابقاً، وهي عقوبات لا مثيل لها في أي دولة ديمقراطية، خصوصاً أن عبارة مثل "الإساءة إلى سمعة الأشخاص" مطاطية ولا يمكن الاطمئنان إلى أن تفسيرها لن يمس الحق في نقد الشخصيات العامة.

6- قيام وزارة الاستثمار بغلق أو توقيف قنوات فضائية، حيث صرح وزير الاستثمار غداة توليه منصبه مباشرة بأنه سيغلق القنوات الفضائية المخالفة، قبل أن تعلن الشركة المصرية للأقمار الاصطناعية (نايل سات) يوم 9 أغسطس إيقاف بث قناة "الفراعين" إلى أجل غير مسمى، عقب صدور قرار المنطقة الإعلامية الحرة التابعة لوزارة الاستثمار بذلك "نظراً لتجاوزاتها". والواقع أن تلك القناة ترتكب بالفعل مخالفات مهنية صارخة، لكن مهما كانت الأخطاء المرتكبة من قبل إعلاميين وبعض المحسوبين عليهم، فإن الحل لا يكون بإعطاء السلطة التنفيذية حق تقييم الأداء الإعلامي وصلاحية اتخاذ عقوبات غلق إدارية؛ إذ يفتح هذا الأمر الباب أمام إغلاق أي منبر من جانب تلك السلطة تحت أي زعم وبأي ذريعة. ولحين استكمال أطر تنظيم الإعلام المصري للتعامل مع أنماط الأداء المسيئة، فإن اللجوء إلى القضاء في مثل تلك الأمور يظل أفضل من إعطاء السلطة التنفيذية، المنخرطة في صراعها السياسي، صلاحيات تكميم أفواه من تعتبرهم "مخطئين"، وقد لجأ بعض أنصار الرئيس مرسي إلى القضاء فعلاً برفع دعاوى ضد قناة الفراعين ومالكها.

7- قيام بعض المنسوبين والأنصار والمحبين للجماعة باستهداف المجال الإعلامي عبر التهديدات، والاعتداءات المادية المباشرة، ووسائل الاغتيال المعنوي، حيث قام أنصار حزب الحرية والعدالة مساء يوم 8 أغسطس بالاعتداء على الإعلامي خالد صلاح المذيع بفضائية النهار، كما طالت اعتداءات إعلاميين آخرين من بينهم يوسف الحسيني المذيع في "أون تي في".

8- حكم قضائي غريب بحبس رئيس تحرير صحيفة "الدستور" الخاصة إسلام عفيفي احتياطياً لحين البت في الدعوى المقامة ضده من أحد المحامين تتهمه بـ"إهانة الرئيس". وتهمة "إهانة الرئيس" موجودة فعلاً في قانون العقوبات المصري، لكن مبارك مثلاً لم يستخدمها على الإطلاق، وهي تهمة غريبة جداً في نظام جمهوري ديمقراطي، خصوصاً أن التفرقة بين "النقد" و"الإهانة" للرئيس مسألة تخضع لوجهات نظر شديدة التباين. الأخطر من ذلك أن توقيع عقوبة الحبس الاحتياطي في جرائم النشر مسألة غير مستساغة سياسياً أو قانونياً، خصوصاً أن المتهم في هذه الحال معروف العنوان وجهة العمل، ولا يخشى منه العمل على التلاعب في الأدلة. على أي حال، فقد فعل الرئيس مرسي خيراً واستخدم صلاحياته التشريعية المؤقتة في إزالة بند الحبس الاحتياطي في جرائم النشر من قانون العقوبات، وتم الإفراج عن الصحافي المذكور، لكنه في انتظار صدور حكم نهائي، قد يكون بالحبس، في قضية "إهانة الرئيس"، وهو الأمر ذاته الذي يمكن أن يتوقعه أيضاً توفيق عكاشة المثير للجدل وصاحب "قناة الفراعين" الذي خضع للمحاكمة بتهمة "التحريض على قتل الرئيس" و"الإساءة إليه".

9- بدء عدد من رؤساء تحرير "الصحف القومية" الذين تم تعيينهم من قبل مجلس الشورى الذي يهيمن عليه "الإخوان" في اتخاذ خطوات نحو "تقييد نقد الجماعة" على صفحات صحفهم، حيث تم منع مقالات رأي لكتاب كبار مثل عبلة الرويني، ويوسف القعيد، وآخرين لأنهم انتقدوا الجماعة، وقد كان أحد هذه المقالات الممنوعة مقالاً بعنوان "أخونة الصحافة".

والواقع أن "الإخوان" لا "يؤخونون" الصحافة والإعلام، لأنهم ببساطة لا يمتلكون كوادر كافية لإدارة وسائل الإعلام المصرية المتعددة، ولكنهم يستغلون تمتعهم بالسلطة التنفيذية والتشريعية لتعيين القيادات وتمويل العجز في وسائل الإعلام العامة وبالتالي يتحكمون بأدائها من جهة، ويرهبون المجال الإعلامي الخاص بالقضايا والاستهداف المباشر والسلطة التنفيذية، فيردعونه عن النقد والمعارضة، من جهة أخرى.

يفكر "الإخوان" في أن يمتلكوا سيفاً ودرعاً إعلاميين يعوضان عقوداً من الاضطهاد والحرمان، وربما يتناسون أن مبارك حاول ذلك، لكنه انكسر وذهب إلى السجن، وبقيت حرية الإعلام.

* كاتب مصري

back to top