أكد تقرير ديوان المحاسبة أن جميع مشاريع شركة «كوفبك» في آسيا وإفريقيا وأستراليا والشرق الأوسط والأقصى وغيرها كانت خاسرة، وأن «كوفبك» لم تتمكن من تحقيق قيمة المبيعات المخطط لها رغم ارتفاع أسعار النفط عالمياً إلى جانب عدم تمكنها من تحقيق حجم الاحتياطيات النفطية المخطط لها والمدرجة بالموازنة التقديرية لعام 2009، إذ بلغ حجم الاحتياطيات النفطية الفعلية في نهاية عام 2009 نحو 221.5 مليون برميل مكافئ بانخفاض نسبته 41.7 في المئة عن المخطط له والبالغ 380 مليون برميل مكافئ.

Ad

ورغم ان الشركة وطنية وتابعة لمؤسسة البترول الكويتة وتمتلك امكانات مالية كبيرة فإن القطاع الخاص الكويتي الذي يعمل على استكشاف النفط في الخارج رغم حداثته حقق نجاحا مع اختلاف الامكانات بين الطرفين، الا ان السؤال الذي وجهته «الجريدة» الى مجموعة من خبراء النفط هو: لماذا أخفقت «كوفبك» في استكشاف النفط خارج الكويت ونجح القطاع الخاص؟

استثمارات صعبة

قال الرئيس التنفيذي في شركة ايكاروس للصناعات النفطية سهيل بوقريص إن "القطاع الذي تعمل فيه كوفبك ليس سهلا واستثماراتها بحاجة الى مبالغ ضخمة، وفيه نسبة مخاطرة كبيرة، فقد يكتشف النفط، لكن هم بحاجة الى مبالغ كبيرة لتطوير الحقول".

واضاف بوقريص ان امكانات "كوفبك" مقارنة بالقطاع الخاص كبيرة، حيث ان الاولى مدعومة من قبل مؤسسة البترول، لكنها مرت بفترات اثرت في مسيرتها، حيث تلقت في السابق التشجيع من المؤسسة للاستكشاف مع شركة سنتافي التي كانت تغطي اوروبا وبحر الشمال، وقد قامت بتغطية الاماكن الجغرافية التي لم تصلها "سنتافي"، وفي تلك الفترة كان سعر النفط 12 دولارا للبرميل، وكانت الشركتان تطلبان ضخ الاموال، حيث كانت هناك حصة انتاج كبيرة في بحر الشمال، لكن الاسعار حينها لم تسعفهم.

وذكر ان مؤسسة البترول اصبحت حينها حساسة من عملية الاستكشاف خارج الكويت، وتم على اثرها بيع "سنتافي"، وتم التوجه الى تخصيص "كوفبك"، مشيرا إلى انه حينها حصل جدال حولها، وتم اهمال الشركة وتعطلت فترة طويلة، الى ان تم احياؤها من جديد مع غض النظر عن تخصيصها.

وأكد بوقريص ان القطاع الخاص الكويتي مرغم بحكم القوانين على الاستكشاف خارج البلاد، وهي عملية غير سهلة وتتطلب قدرات مالية كبيرة و"حب المغامرة"، مشيرا إلى ان "كوفبك" لا يمكن ان تتعامل بهذه الطريقة، حيث ان هناك مراقبة من قبل ديوان المحاسبة، ومؤسسة البترول تطلب ان تكون نسبة النجاح كبيرة، لذلك فإن تقدم "كوفبك" بطيء في عملية الاستكشاف.

واضاف ان الكويت تعتبر من الدول المنتجة للنفط، وهذا يولد احساسا بأن الاستكشاف خارجيا او المخاطرة فيه ليسا من الاولويات، مشيرا الى ان "الحقول المنتجة في العالم تهيمن عليها شركات كبرى، ومن هنا نرى المؤسسة متحفظة عن بعض استثمارات كوفبك، ما يعوق عملها ويصعب تحقيق الربحية، بينما القطاع الخاص وكويت انرجي هي الوحيدة التي حققت نجاحا خلال فترة وجيزة، لكن امامها خطوات كبيرة وتحتاج الى ضخ اموال كبيرة".

وشدد على ان عامل الوقت في مثل هذا الاستثمار مهم و"كوفبك" امامها عائق الدورة المستندية ومجموعة من الموافقات، مثل مؤسسة البترول والاعلى للبترول، اضافة الى ان نسبة نجاح هذا الاستثمار تصل الى 20 في المئة، والبئر الواحدة تصل تكلفتها الى 10 ملايين دولار وقد لا يوجد به نفط.

تخصيص «كوفبك»

من جهته، ذكر الخبير والكاتب النفطي كامل الحرمي ان "كوفبك" تهدف من خلال استراتيجيتها للوصول الى انتاج 300 الف برميل مكافئ، موضحا ان الكميات المستهدفة كبيرة وغير سهلة وتحتاج الى رأسمال كبير.

وارجع الحرمي تراجع "كوفبك" الى عدم زيادة رأسمالها، حيث ان الخطط التي تم رسمها كانت في فترة تبلغ اسعار النفط فيها 40 دولارا للبرميل، أما الآن فالوضع مختلف تماما والاسعار تجاوزت 100 دولار وتكاليف الانتاج زادت، مؤكدا ان العمل في الاستكشاف والانتاج يتطلب استثمارات ضخمة.

وزاد ان القطاع الخاص الكويتي، الذي يعمل بالاستكشاف والانتاج، يستهدف كميات قليلة لا تقارن بما تطمح اليه "كوفبك"، مشيرا إلى ان الشركة تواجه منافسة شرسة في السوق النفطي للاستكشاف من الشركات الكبرى، لاسيما من الهند والصين.

وعن خسائر الشركة التي رصدها تقرير ديوان المحاسبة قال الحرمي ان "كوفبك اساسا حائرة بين حانا ومانا، فقد طالب البعض في السابق بالاستغناء عنها وبيعها للقطاع الخاص، والآن متمسكون بها، لكنهم لم يطوروها او حتى تتم الموافقة على زيادة رأسمالها الذي يجب المصادقة عليه من المجلس الاعلى للبترول الذي لم يجتمع منذ فبراير الماضي!".

وطالب الحرمي بأن يكون لكوفبك والقطاع النفطي الاستقلالية في العمل، لان هذه الاستثمارات تحتاج الى سرعة في العمل، والقطاع الخاص يعمل باستقلالية واريحية دون وجود اي ضغوط، فضلا عن الدورة المستندية والروتين الممل لانجاز اي معاملة حكومية في البلد، خصوصا في القطاع النفطي.

وعن رأيه في تخصيص "كوفبك" أكد الحرمي تأييده له بشرط وضع الشركة تحت لجنة رقابية واشرافية، والا تكون مثل نموذج تخصيص محطات الوقود.

واشار إلى ان على "كوفبك" في المرحلة القادمة التركيز على استثمارات جديدة، فهناك العديد من الفرص في السوق النفطي، طالبا الاهتمام بجلب العاملين اصحاب الكفاءة التي تفتقر إليها الشركة، وان تعمل الشركة وتحتمي بالشركات العالمية الكبرى لتقليل مخاطر الاستثمار في الاستكشاف والانتاج الخارجي.

جني الأرباح

بدوره، أفاد الخبير النفطي د. عبد السميع بهبهاني بأن "القطاع الخاص هو الافضل، لانه يمثل اموال مستثمرين، وهم حريصون على جني الارباح وتعويض الخسائر"، مشيرا إلى ان "هناك حرصا ايضا على نوعية العاملين في الشركة، وعدم اضاعة الوقت، وهذا هو المبدأ الاساسي الذي ينطلقون منه".

واضاف بهبهاني ان القطاع الخاص حينما يقوم بتوظيف العمالة يشترط ان يكون العامل مؤهلا، اضافة الى ان تغيير هذه العمالة يكون سهلا وبشكل سريع، وحتى على مستوى المشاريع "اذا كانت غير مجدية يستغنون عنها فورا".

وتابع: "اذا شاهدنا الوضع في القطاع النفطي الحكومي وتحديدا كوفبك فسنشاهد ان الدورة المستندية تأخذ وقتا طويلا، وهي تعتبر احد العوائق امام اي تطور او استغلال الفرص، وعكس ذلك في القطاع النفطي الخاص حيث السرعة في اتخاذ القرار والتنفيذ".

وعما يتناقله البعض عن عدم وجود كفاءة في "كوفبك"، ما يتسبب في خسائر الشركة قال بهبهاني: "حاليا نعم، حيث ان الدولة رفعت سلم الرواتب، واصبح القطاع الخاص لا ينافس الحكومة في ما يتقاضاه العامل، لكن قبل الزيادة كان القطاع الخاص ارقى وافضل من الحكومة من جهة القضايا المالية"، مضيفا ان العامل في "كوفبك" إن تقاعس او اخطأ اكثر من مرة يغفر له، بينما يحدث العكس في القطاع الخاص، فالموظف يأخذ حقه، لكن اذا لم يكن مقرونا بإنجاز ما تم الاتفاق عليه فسيتم الاستغناء عنه.

ولفت الى عامل مهم هو "سبب في خسارة المشاريع في كوفبك، وهو الجانب السياسي، حيث ان القطاع الحكومي ملتزم كثيرا بالعامل السياسي خاصة في المشاريع، والعمل في دول معينة قد لا يكون ذا جدوى، بينما القطاع الخاص غير ملزم بهذا الامر، ويعتمدون على التقييم الاقتصادي البحت، خاصة في قياس نسبة المخاطرة التي ينظر اليها بعين الاعتبار لذلك نرى ان القطاع النفطي الخاص في الاستكشاف تفوق على كوفبك".