أين المثقفون وأصحاب الرأي؟
أصبح الكل هذه الأيام يتذمر، وأضحى الجميع يشتكون بطريقة أو بأخرى من أن الأمور في البلد ليست على ما يرام، وأنهم غير راضين عن الوضع العام، وغير مطمئنين على المستقبل من دون أن تكون لدى البعض من عامة الناس دراية كاملة بحقيقة الوضع العام، وهو ما يجعلنا نتساءل: أين المثقفون وأصحاب الرأي والكتّاب والعاملون في الشأن العام؟ ولماذا لا يقومون بدورهم في تشخيص العلة واقتراح الحلول وتوعية الرأي العام وتوجيهه؟للإجابة عن ذلك فإنه يجب التفريق بين موقف عامة الناس البسطاء وموقف المثقفين والكتّاب وأصحاب الرأي والعاملين في العمل العام، فعامة الناس ليس بمقدورهم لسبب أو لآخر تشخيص المشكلة الرئيسة، بل إنهم يكتفون بالحديث بلا كلل أو ملل عن أعراض ومظاهر العلة أو الخلل، وهي كثيرة ومتعددة ومتجددة أيضا، لكنهم لا يغوصون عميقا في أسبابها الرئيسة التي بمجرد علاجها الجذري ستنتهي جميع المؤشرات الدالة عليها، أو الأعراض الجانبية التي نشأت بسببها.
أما المثقفون والكتّاب وأصحاب الرأي والعاملون في العمل العام فإن مسؤوليتهم الأخلاقية تجاه وطنهم ومجتمعهم وناسهم توجب عليهم قول الحقيقة كاملة كما يرونها دون مواربة أو خوف أو تردد، وذلك بتوضيح سبب أو أسباب الخلل العام ووصف العلاج المناسب.لكن من المؤسف أن قسماً من هؤلاء منكفئون على أنفسهم، ومبتعدون عن الناس والشأن العام، وقسم آخر تحولوا إلى شلة مطبّلين لأصحاب القرار يزيفون الحقائق ويركزون على الأعراض الجانبية الكثيرة للعلة الرئيسة، ويمتدحون بشكل مبالغ فيه كل ما يفعله أصحاب القرار، ويبررونه حتى لو كان خطأ، وينتقدون من يعارضهم حتى لو كانوا على صواب، تحركهم بذلك مصالحهم الضيقة، ويلهيهم جمع المال وتضخيم أرصدتهم البنكية عن هموم عامة الناس ومشاكلهم.وخير مثال على ذلك المواقف المخزية التي عبّر عنها بعض الكتّاب وأصحاب الرأي والمثقفين تصريحا أو تلميحا أو صمتا عندما فاحت ريحة الفساد السياسي، وانتُهك الدستور، وضرب المواطنون والنواب في الأعوام القليلة الماضية. كما أن هناك أيضا قسماً آخر من الكتّاب والمثقفين وأصحاب الرأي وممن يعملون في العمل العام تغلب عليهم الروح الانتهازية، فهم "مع الخيل يا شقرا" كما يقول مثلنا الشعبي، وذلك بغية تحقيق أمجاد شخصية ضيقة، ومنافع مادية من خلال استغلال عواطف الناس البسطاء، وتجييرها لمصلحتهم الشخصية بالدرجة الأولى غير مكترثين بما سيترتب على تأجيج المشاعر، وشحن العواطف الفئوية والطائفية من ضرر بالغ، سواء على الوطن أو على الناس أنفسهم. وعلى النقيض من هؤلاء هناك على الطرف الآخر مجموعة من المثقفين والكتّاب وأصحاب الرأي الملتزمين بقضايا الوطن والمدافعين حقيقة عن الناس بكل طوائفهم وفئاتهم، لكنهم أصبحوا قلة مع كل أسف، وهو الأمر الذي يجعلنا نقترح عليهم إيجاد شكل من أشكال الرابط التنظيمي "المهني" بينهم لكي يكونوا أكثر فاعلية في الدفاع عن القضايا الوطنية العامة التي تهم عموم الناس بغض النظر عن أصولهم وأعراقهم ومذاهبهم ومناطق سكنهم، ولكي يكونوا أيضا أكثر فعالية في تنوير الناس وتوعيتهم، كي لا تشغلهم منظومة الفساد وأعداء الدولة الديمقراطية الدستورية في قضايا ثانوية وهامشية على حساب قضاياهم ومطالبهم الوطنية المشتركة.***نافذة:نتيجة لانحراف بناء الدولة الدستورية الديمقراطية والعبث المستمر بالدستور فإننا، وبعد نصف قرن من بداية العهد الدستوري، لم نصل إلى بناء الوطن الواحد الجامع، بل وصلنا إلى مرحلة مؤسفة، حيث أصبح البعض يتحدث بكل جرأة و"بجاحة" عن "البيت القبلي" و"البيت الشيعي" و"البيت السني" و"البيت الحضري"، وداخل كل واحد من هذه البيوت يوجد عدد لا حصر له من «البيوتات»، فأي وطن ديمقراطي ودستوري جامع سيبنيه هؤلاء الحمقى؟!... يا لها من مهزلة!