لا يمكن الحكم نهائياً على حجم النجاح الذي حققه نجوم السينما المصرية في تجاربهم الفنية على الشاشة الصغيرة في شهر رمضان هذا العام، ومدى استفادتهم وقدرتهم على العطاء، لكن القراءة الأولى للأعمال الدرامية التي تابعها الملايين على امتداد الوطن العربي، وعدد الحلقات التي عُرضت حتى هذه اللحظة تتيح لنا الحكم بشكل مبدئي، وتضع أيدينا على ما ستسفر عنه النتيجة النهائية، ولتكن البداية بـ»فرقة ناجي عطا الله».

Ad

كان المتوقع أن تأتي تجربة النجم عادل إمام مغايرة تماماً لما رأيناه على الشاشة الصغيرة؛ فالأمل كان معقوداً عليه، بعد 30 سنة من الغياب منذ قيامه ببطولة مسلسل «دموع في عيون وقحة»، ليُضيف جديداً أو تتحول تجربته على الأقل إلى مغامرة فنية، إن لم تكن فكرية. لكن النتيجة جاءت صادمة ومخيبة للآمال إلى حد كبير، على الصعيدين التقني والفكري، كما جاء العمل «تقليدياً»، وفي أحيان كثيرة «رتيباً»، وبدا إمام وكأنه يجتر أداءه القديم، و»إفيهاته»، وأفلامه أيضاً، بدليل أن «فرقة ناجي عطا الله» يتماهى في مشاهده الأولى التي يلتقي فيها البطل نماذج بشرية متباينة ليضمها إلى فرقته مع فيلمه القديم «شمس الزناتي» المقتبس من الفيلم العالمي الشهير «الساموراي السبعة»( اليابان 1954) للمخرج أكيرا كوروساوا!

لا ينبغي أن يُقال هنا إن المسؤولية تقع على كاهل يوسف معاطي، كاتب نص «فرقة ناجي عطا الله»، فمن المسلم به أن إمام لا يترك تفصيلة في جميع أعماله من دون أن يُلم بها ثم يضع بصمته عليها، وهو ما يجعله مسؤولاً في النهاية عن العمل من الألف إلى الياء، وهو، مثلاً، الذي تحمس للنص مذ كان سيناريو لفيلم سينمائي، ولما حالت الظروف دون إنجازه سينمائياً انتقل به إلى الشاشة الصغيرة، ولم يفقد حماسته له، ولكاتبه الذي يبدو تلميذاً مُطيعاً، لا يجادل ولا يراجع، لذا أحبه «الزعيم» وآثر استمرار التعاون معه في أكثر من تجربة متعاقبة، في الوقت الذي أنفض فيه عن رفقة الكاتب الكبير وحيد حامد والمخرج شريف عرفة، على رغم النتائج الإيجابية لتجاربهم معاً!

في فرقة «ناجي عطا الله» يقدم الثنائي (معاطي ـ إمام) تنويعة على قضية التطبيع، التي تناولاها سابقاً في فيلم «السفارة في العمارة» (إنتاج 2005)، وفي العملين لا يختلف نهجهما كثيراً؛ فالسطحية والاستخفاف سلاح لا بديل له عندهما، وحساسية القضية لا تحول بينهما، ومعالجتها بقليل من الجدية والكثير من التهريج الذي كان لمحمد عادل إمام نصيب كبير منه، وبدا بوضوح أنه يتعامل مع النص والمسلسل بأكمله بوصفه «الوريث» الذي سيخلف «الزعيم»!

«الهزل في وقت الجد» و»إمساك العصا من المنتصف» كانا ملمحين رئيسين في تجربة عادل إمام، الذي خشى في ما يبدو أن يسجل موقفاً حازماً وقاطعاً من قضية التطبيع، فاقترب خطوة وتراجع أخرى، وبإصرار لا يلين جرى تسفيه وتسطيح القضايا بدرجة تثير الأعصاب، كما في تناوله الصراع بين «فتح» و»حماس»، وإخلاصه لأصدقائه الإسرائيليين، على رغم محاولته إيهامنا بأنه يسخر منهم بنكاته أو يستثمر علاقاته بهم لغرض في نفسه؛ فالتقارب بينه وبينهم بدأ مبكراً وسابقاً لخلافه مع قيادات المصرف الإسرائيلي الذي صادر أمواله، ورغبته في الثأر لنفسه عن طريق اقتحام المصرف واسترداد أمواله. ارتكب إمام ومعه معاطي خطأ درامياً فادحاً بانطلاقهما من فكرة سرقة المصرف، حتى لو كان إسرائيلياً؛ ففي كل الأحوال نحن أمام «زعيم» عصابة و»فرقة» من المرتزقة، ما ينسف أي تعاطف ويجعل من المشاهد الكثيرة التي تم التعامل فيها مع «فرقة ناجي عطا الله» بوصفها تضم جماعة من «المغاوير» و»المناضلين» مدعاة إلى التندر والسخرية؛ بل إن الأنفاق الفلسطينية كما أظهرها العمل كافية لأن تُبادر السلطات المصرية بتدميرها، ووقتها سيتعاطف معها الجمهور الذي أوحى له العمل، عن جهل أو عن عمد، بأنها تهدد الأمن القومي! في الأحوال كافة، لا يمكن القول إن النجم عادل إمام خاض في «فرقة ناجي عطا الله» مغامرة من أي نوع؛ فالذي يعمل في ظل أجواء إنتاجية أقل ما يقال عنها بأنها «أسطورية»؛ حيث الموازنة التي وصلت إلى 90 مليون جنيه (15 مليون دولار أميركي)، والأجر الذي قُدر بـ 35 مليون جنيه (حوالى 6 ملايين دولار)، وفترة التصوير التي امتدت إلى العامين، كان عليه أن يُبهر جمهور المشاهدين بعمل غير مسبوق في تاريخ الدراما العربية، وأن يتجاوز سقف المتوقع والمأمول، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، وتحولت «فرقة ناجي عطالله» إلى «مزحة» فقدت رونقها وخفة ظلها، لفرط ما تكررت على مسامعنا... وأمام أعيننا.