أخيراً اضطر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أن يطرد متحدثه الرسمي علي الدباغ على خلفية مشاركته في نهب 300 مليون دولار من صفقة الأسلحة الروسية كرشوة "عمولة" مع آخرين من أتباعه ومقربيه في "دولة القانون" التي يقودها، وكان من الضروري أن يضحي المالكي بـ"الدباغ" لكي يحمي اللصوص الآخرين، وقبل أن تنزلق قدم ابنه أحمد في القضية، خصوصاً أن اسمه ورد في القائمة التي ضمت أكثر من 120 مسؤولاً كبيراً!
سيكرر المالكي نفس السيناريو التقليدي الذي اعتاد أن يفعله في مثل هذه الأمور، وكما فعل مع صديقه الآخر وزير التجارة الأسبق عبدالفلاح السوداني عندما ضبط بالجرم المشهود، وفي حالة تلبس وهو يسرق ملايين الدولارات من المواد الغدائية التي توزع على الشعب، قبض عليه وأودع السجن، ومن ثم بُرئت ساحته وهرب إلى خارج العراق، وهذا ما سيفعله مع الدباغ أيضاً، ولكن بصورة أخف، يكتفي بفصله والاستغناء عن خدماته "الجليلة" ليرجع محملاً بما سرق إلى حيث الدولة الأوروبية التي أتى منها معززاً ومكرماً دون أن يتعرض لأي تهمة أو لوم أو توبيخ.طبعاً يفعل المالكي كل ذلك أمام أنظار العالم والعراقيين مثلما فعل مع "السوداني"، بدل أن يصادر أمواله المنقولة وغير المنقولة ويودع السجن ليقضي بقية حياته فيه ليكون عبرة لغيره، يكتفي بطرده وتسفيره إلى الخارج؛ "مكافأة نهاية الخدمة"... فمن سيتكلم؟ وإذا تكلم من يهتم؟!الشعب العراقي يعاني ما يكفيه من الأزمات والمصائب ليفكر في مثل هذه القضايا البسيطة، وإذا فكر واتخذ موقفاً تجاهها، فإنه، أي المالكي، سرعان ما يفجر أزمة كبيرة من العيار الثقيل في مكان ما من العراق ليشغل بها العراقيين ويبعدهم عن الواقع المر الذي أوجده، مثل تحريك جيشه المليوني البائس صوب إقليم كردستان ليتحرش بقواته الـ"البشمركة" ويبث القلق والفزع في المنطقة دون أي مبرر، أو إثارة قضية طائفية كمطاردته لنائب رئيس الجمهورية بتهمة الإرهاب، أو يلجأ إلى القتل والتصفية الجسدية كما فعل مع الصحافي والناشط السياسي هادي المهدي... وهذا ما كان يفعله صدام حسين بالضبط!لكن ما الذي يدعو زعيم "دولة القانون" المالكي أن يتساهل بهذه الطريقة الشائنة مع هؤلاء اللصوص، هل لكونهم يهددونه بالكشف عن المستور على الطريقة الشمشونية "عليّ وعلى أعدائي"، فالرجل معه منذ أن تولى الحكم في عام 2005 وكاتم أسراره ويعرف الكثير عنه، ويمكن أن يقلب الطاولة عليه في لحظة، فاضطر أن يطرده فقط دون اتخاذ إجراء قانوني صارم ضده.هذه الزمرة الفاسدة التي ابتلي العراقيون بها، فعلت كل الموبقات التي حرمها رب العباد منذ أن تولت الحكم، النهب والسلب وافتعال الأزمات والدخول في مواجهات مسلحة وترهيب الناس وقتلهم، نكث العهود وخلف الوعود مع الشركاء والأصدقاء، السرقة أصبحت في ظل حكم "دولة القانون" عادة تمارس على أعلى المستويات، لم يبق مكان لم تصل إليه يد لص من ائتلاف "دولة القانون" الحاكم، أين ذهبت أموال الدولة الطائلة التي وضعت تحت تصرف المالكي (700 مليار دولار منذ أن تولى الحكم في عام 2005) للنهوض بالمرافق والتنمية العمرانية والخدمية وإنشاء المشاريع الاستثمارية في البلد؟ يكفي أن أكثر من 40 مليار دولار قد صرفت على تصليح الكهرباء حتى الآن، ومازالت بغداد وبقية محافظات الجنوب تعيش في ظلام دامس.سيبقى الحال على هذا المنوال إلى أن يتولى رجال شرفاء أمور الدولة فيصلحوا ما أفسدته "دولة القانون" أو بالأحرى دولة الطاعون!
مقالات
دولة القانون أم دولة الطاعون؟!
01-12-2012