الحكومة أبخص
جرت العادة عند بعض الفنادق الخمس نجوم أن تدقق في جوازات سفر ضيوفها، لتنتهز فرصة وقوع عيد ميلاد الضيف في فترة إقامته فترسل له ورداًَ أو علبة شوكولاتة، لكن أحد الفنادق اللبنانية اكتشف في إحدى العطل الصيفية أن جميع سكان فندقه من السعوديين قد ولدوا في يوم واحد هو اليوم الأول من رجب، فما كان منه إلا أن صاح في سره "العمى بألبون"، من كثرة ما تورط ذلك اليوم في إرسال ورود وشوكولاتة، لكنه بقي عاجزاً عن أن يفهم كيف ولد السعوديون كلهم مصادفة في تاريخ واحد، هو 1-7، بحسب السنة الهجرية.صادف يوم 22 مايو الماضي الأول من رجب، فذكرتنا إحدى الصحف السعودية بأن هذا اليوم يصادف يوم مولد نصف السعوديين البالغين عشرين مليون مواطناً، لأنهم كلهم مسجلون في وثائقهم الرسمية بأنهم من مواليد 1-7، والسبب بحسب وصف الحكومة أن الشعب "مضيع" يوم مولده، فقررت الحكومة أن تضعهم في يوم واحد، وهو 1-7. أحد المواطنين أسر لي بأن والده كان يعرف يوم مولده آنذاك، لكن دائرة النفوس أصرت على أن يُسجل ذلك الوقت في تاريخ 1-7 (جيزه حيز الباقين) أي شأنه شأن البقية، وأن الوالد رضخ راضياً لأن الحكومة أبخص.
أنا شخصياً لو كنت مكان الحكومة، وقد اتخذت قراراً مثل هذا فإنني لابد أن ألتزم حيالهم باحتفال وطني كل يوم 1-7 أهنئ فيه المواطنين، وأقدم إليهم هدايا، فمن واجبات أي حكومة سجلت نصف شعبها في يوم واحد أن تقيم له عيد ميلاد شعبياً، وتهدي إليه على الأقل وردة.لم يعرف أحد لماذا تم اختيار هذا اليوم لتتخذه دائرة النفوس والوثائق يوماً لمولد نصف الشعب، فهو لا يصادف مثلاً يوم إعلان توحيد المملكة، الذي يوافق 23-9، وقد كان حرياً بأن يسجل المواطنون المضيعون يوم مولدهم مع ولادة وطنهم وفي يوم توحده، لكنني اكتشفت أمس السبب، الذي ذكرته الصحيفة السعودية، وهو أن 1-7 هو آخر يوم في التقاعد الحكومي، وإن كان هذا صحيحاً فإن دائرة النفوس فاقدة للشاعرية لدينا، فكيف تربط بين ولادة ونهاية تقاعد، وكأنك تربط بين دخول وخروج، أو بين حياة وموت.أن يولد نصف شعب في يوم واحد، بسبب قرار حكومي، ليس مشكلة كبيرة، فقد ولد هذا القرار في بدايات تحديث الدولة حين قررت أن تمضي في مشروع مدني يحصي سكانها ويسجل معلوماتها، لكن آمل ألا يؤثر ذلك في مواليد 1-7 فيظنون أنهم يجب أن يتطابقوا في الأفكار والطموحات والسياسات، وأن يكونوا كلهم مثل قرار الحكومة واحد. الوحدة رائعة في الحفاظ على مصالح الناس وعيشهم ورفاهيتهم وولائهم لأرضهم وناسهم، لكن التفرد أيضاً غريزة بشرية لا تسمح فقط بالتعبير الشخصي الحر، بل بدونها لا يحصل الإبداع ولا التقدم ولا التنوع الضروري للحضارة والتحديث.