ما قل ودل: قراءة متأنية في دستور الثورة

نشر في 21-10-2012
آخر تحديث 21-10-2012 | 00:01
 المستشار شفيق إمام  ثورة أم أضغاث أحلام؟

هل كان ما حدث في مصر ربيعاً عربياً؟ هل كان ما حدث ثورة؟ أم أنها كانت أضغاث أحلام؟ أسئلة حائرة يشاركني فيها الكثير ممن طالعوا مسودة الدستور التي سودت صفحات الصحف المصرية، والتي كانت قد انتهت من إعدادها وصياغتها الجمعية التأسيسية التي انتخبها مجلس الشعب المنحل، والتي يملك فيها التيار الإسلامي أغلبية.

أهداف الثورة

طالعت مسودة الدستور والألم يعتصر قلبي على شهداء الثورة الذين سقطوا الواحد تلو الآخر، ليحققوا لمصر الأمل والحلم الذي عشنا جميعاً نحلم به، حرية وكرامة وعدالة اجتماعية، وحق الشعب في أن يحكم نفسه بنفسه، في ظل دستور يعلو بأحكامه على كل سلطات الدولة، في نظام ديمقراطي، يخضع فيه الحاكم قبل المحكوم للدستور والقانون لتعود للدولة هيبتها وللقانون احترامه.

مسودة لم تتجاوب مع الأهداف

طالعت مسودة الدستور التي لم تتجاوب مع أهداف الثورة، والتي لم تجسد فكرها ومتطلباتها، فكر شباب مصر الذين أشعلوا شرارتها الأولى، وقدموا أرواحهم الزكية قرباناً لها، فالتفّ حولها الشعب بكل أطيافه وفئاته وتوجهاته، الشعب الذي كان يحمل مشاعر الغضب ذاتها ضد الفساد والرشوة ونهب ثروات البلاد.

الرقابة على الإنفاق العام

وأستميح القارئ عذرا في قراءتي المتأنية لمسودة الدستور ألا أتقيد بترتيب النصوص أو بترتيب الموضوعات كما وردت في المسودة، وأبدأ بأقدم رقابة برلمانية عرفتها برلمانات العالم، ولا أكون مغاليا إذا قلت إنها الرقابة التي نشأ بسببها أول هذه البرلمانات، وهي الرقابة على الإنفاق العام من خلال رقابة البرلمان على مشروع الموازنة العامة للدولة والحساب الختامي، وهي رقابة تستهدف حماية الأموال العامة التي نصت المادة (19) من المسودة على حرمتها، واعتبرت حمايتها واجباً وطنياً على كل من الدولة والمجتمع.

بل لعل هذه الرقابة هي أخطر اختصاص يمارسه البرلمان في الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية لأن الميزانية تعبر عن خطة الحكومة، وتصور برنامجها للحكم في فترة مقبلة من الزمن، ومن خلال مناقشتها يناقش البرلمان البرنامج السياسي للحكومة، ويحاسبها عليه أو يسحب الثقة منها أو يضطرها إلى الاستقالة.

الميزانية أداة للتوجيه الاجتماعي والاقتصادي

تحقق أهداف السياسة العامة ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ليقف البرلمان على حسن اختيار الحكومة بين البدائل المختلفة في تحقيق هذه الأهداف والسياسات، وتقييم النشاط العام والحكم على كفاءة الإداة الحكومية وأداء المرافق العامة.

صدور الميزانية بقانون

ولأهمية الميزانية باعتبارها أقدم وأخطر وسيلة للرقابة البرلمانية تحيطها الدساتير بمجموعة من الضمانات، وهي وجوب عرض مشروعها على البرلمان قبل بدء السنة المالية بقترة كافية، وموافقة البرلمان على مشروع الموازنة باباً باباً، وصدور الموازنة العامة للدولة بقانون وهو قانون من حيث الشكل؛ لأنه لا ينظم ما تنظمه القوانين من موضوعات، ولا يتبع في عرضه والموافقة عليه ما يتبع من إجراءات بالنسبة إلى القوانين، ووجوب موافقة البرلمان على نقل أي مبلغ من باب إلى آخر من أبواب الموازنة العامة وعلى كل مصروف غير وارد فيها، أو زائد على تقديراتها، وتصدر هذه الموافقة بقانون، مع وجوب عرض الحساب الختامي لموازنة الدولة على البرلمان؛ مع تقرير جهاز الرقابة المالي وملاحظاته على الحساب الختامي، والتصويت على الحساب الختامي باباً باباً.

موازنة الهيئات والمؤسسات العامة

وتحرص الدساتير على النص على سريان الأحكام الخاصة بميزانية الدولة على ميزانيات الهيئات والمؤسسات العامة، من ذلك دستور الكويت في المادة (148) إلا أن الجمعية التأسيسية زاغ بصرها عن هذه الوسيلة الخطيرة في الرقابة البرلمانية، وأهدرتها إهداراً كاملاً بالنسبة إلى الهيئات والمؤسسات العامة كما أهدرها دستور 1971، واكتفت كما اكتفى هذا الدستور بالنص في المادة (119) من المسودة على أن "يحدد القانون أحكام موازنات المؤسسات العامة والهيئات العامة وحساباتها"، بما يتيح للأغلبية البرلمانية التي قد تكون من فصيل واحد، كما هي الحال في الحزب الوطني الحاكم في النظام السابق تضمين القانون ما تراه من أحكام تفلت فيها موازنة الهيئات والمؤسسات العامة من رقابة البرلمان لتفويت الفرصة على المعارضة في كشف فساد هذه الجهات.

المسودة تأخذ بتعديل سيئ السمعة

وهو تعديل أدخل على المادة (115) من دستور 1971 ضمن التعديلات الدستورية التي جرى الاستفتاء عليها في مارس 2007، والذي أضاف إلى هذه المادة نصاً غريباً وخطيراً في الوقت ذاته أجاز بموجبه أن يتضمن قانون الموازنة تعديلاً في أي قانون قائم بالقدر اللازم؛ لتحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات، ليتاح لوزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي فرض ما يراه من ضرائب وزيادتها وإرهاق كاهل المواطن بأعباء مالية سنوية لمواجهة العجز في الموازنة، بالالتفاف حول الضمانات والإجراءات التي يتطلبها تعديل أي قانون قائم أو إصدار قانون جديد، لأن صدور الميزانية بقانون، وهو قانون من حيث الشكل، لا من حيث الموضوع، فلا تتبع فيه هذه الضمانات والإجراءات، بل يتم التصويت على الميزانية باباً باباً. وهو تعديل سيئ السمعة زاغت الجمعية التأسيسية ببصرها عنه وأبقت عليه في المادة 117 من المسودة.  وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top