كلنا نتوقع السيئ من الآخر، والنية الحسنة باتت شبة معدومة تجاهه، لم نعد نصفي النوايا ونشتبه في نوايا الآخرين، وتحوم بهم نوايا شر مبطنة من وجهة نظرنا، ولم تعد البراءة واحدة من سماتنا، ومن يتحلَّ بها نعتبره مسكيناً أو مغفلاً، فالطباع البريئة كعشبة جميلة في وسط الصحراء باتت بالفعل نادرة.

Ad

رواية "لأني أسود" لسعداء الدعاس كانت رفيقتي في الأيام القليلة الماضية، رواية جميلة بلا شك، لخصت نظرة المجتمع العنصرية التي تتلون مع لون بشرة الأشخاص، وما يواجهه الأسود من اعتقادات مسبقة ومعاناة يومية.

لكن الحقيقة تكمن في أن العنصرية لم تعد حبيسة الألوان، حيث تخطت ذلك لتصبح مرتبطة بجنسية ومال وأصل وفصل وعائلة ونسب ودين وقبيلة وكل شيء حتى وزن الشخص وشكله ومدى جماله أو قبحه سبباً في تحيز الآخرين له أو العكس.

بتنا في عالم مليء بكل مسببات القلق والتوجس، نخاف أن يتم معاملتنا بقسوة إن عرفوا ما هو ديننا أو انتماؤنا في بعض الدول.

وقد نخاف أن يتم استغلالنا كوننا من الكويت، ومازال اعتقاد أن لدينا آباراً من النفط في بيوتنا، منتشراً في الكثير من الدول الأخرى. في النهاية لم يعد الأمر مقتصراً على أسود وأبيض، بات الأمر أكبر من ذلك، السواد بات غالباً في نظرة الإنسان للآخر.

كلنا نتوقع السيئ من الآخر والنية الحسنة باتت شبة معدومة تجاه الآخر، لم نعد نصفي النوايا ونشتبه في نوايا الآخرين، وتحوم بهم نوايا شر مبطنة من وجهة نظرنا.

لم تعد البراءة واحدة من سماتنا، ومن يتحلّ بها نعتبره مسكيناً أو مغفلاً، تلك الطباع البريئة كعشبة جميلة في وسط الصحراء باتت بالفعل نادرة.

الغريب... أننا نعاني التعصب، ومع ذلك نمارسه على الغير، حتى بات من الصعب أن نحكم على الأشخاص من طريقة تعاملهم معنا، بل نمارس عليهم ما يتم ممارسته علينا من قبل الآخر.

الإنسان في أحيان كثيرة يظن أنه أحسن من غيره، وأنه ينتمي إلى شعب أفضل من الشعوب الأخرى، لا يرى نفسه بطريقة خالية من انتفاخ الذات وتفضيلها على الآخرين.

يجب أن نتعلم كيف نتعامل مع الأشياء والأشخاص بموضوعية، فليس كل خليجي مغفلاً وغنياً، وليس كل أسود مجرماً، وليس كل مسلم إرهابياً، وليس كل هندي سائق سيارة، وليس كل مصري استغلالياً، وليس كل كويتي سياسياً محنكاً.

الفكرة السائدة أو stereo type عن الآخر يجب أن ننبذها من ذواتنا حتى نتعامل مع الآخر بموضوعية، وحينها سيتعلم الآخر كيف يتعامل معنا أيضاً بموضوعية.

"قفلة":-

قال الإمام الشافعي رحمه الله:

"أرفعُ الناس قدراً من لا يرى قدره، وأكبر الناس فضلاً من لا يرى فضله".