هل تخسر الصين أرضها الدبلوماسية؟

نشر في 02-09-2012
آخر تحديث 02-09-2012 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت بحلول عام 2016، سوف تصبح حصة الصين في الاقتصاد العالمي أكبر من حصة الولايات المتحدة الأميركية من حيث تعادل القوة الشرائية، وهو تطور مزلزل؛ ففي عام 1980، عندما كانت الولايات المتحدة تستأثر بنحو خمسة وعشرين في المئة من الناتج العالمي، كانت حصة الصين في الاقتصاد العالمي لا تتجاوز 2.2%. أما الآن، وبعد مرور ثلاثين عاماً من الجدارة الجيوسياسية، تبدو الصين وكأنها على وشك فقدان السيطرة في الوقت الذي هي في أشد الحاجة إليها.

من السذاجة والحماقة أن يرتكن زعماء الصين إلى صعودهم السلمي الهادئ إلى التفوق العالمي، فعند نقطة ما، سوف تفيق الولايات المتحدة من غفوتها الجيوسياسية، وهناك من المؤشرات ما يدل بالفعل على أنها فتحت إحدى عينيها.

ولكن الصين بدأت بارتكاب عدد من الأخطاء الخطيرة، فبعد أن استجابت اليابان للضغوط الصينية وأفرجت عن سفينة الصيد الصينية المحتجزة في سبتمبر 2010، أخذت الصين الحماسة وطالبت اليابان بتقديم اعتذار، الأمر الذي أثار حفيظة اليابانيين.

وعلى نحو مماثل، بعد أن قتلت قذائف كوريا الشمالية المدنيين الأبرياء في كوريا الجنوبية في نوفمبر 2010، ظلت الصين ملتزمة الصمت. وفي رد محسوب بدقة، قامت كوريا الجنوبية بإرسال سفيرها لحضور حفل تسليم جائزة نوبل للسلام للناشط الصيني في مجال حقوق الإنسان ليو شياو بو الناشط في مجال حقوق الإنسان في ديسمبر 2010.

كما أثارت الصين قدراً كبيراً من الغضب عندما رفضت بشكل متعسف منح تأشيرات دخول لمسؤولين كبار، وبعد ذلك حاول رئيس الوزراء الصيني ون جيا باو تهدئة الموقف في لقاءاته مع رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ، ولكن مثل هذه الاستفزازات غير الضرورية خلفت رواسب من عدم الثقة لدى الجانب الهندي.

ولكن كل هذه الأخطاء تتضاءل مقارنة بما فعلته الصين برابطة دول جنوب شرق آسيا في شهر يوليو. فلأول مرة منذ خمسة وأربعين عاما، فشل الاجتماع الوزاري لرابطة دول جنوب شرق آسيا في التوصل إلى بيان رسمي مشترك، ويرجع هذا ظاهرياً إلى أن الدولة التي تتولى رئاسة الآسيان حاليا- كمبوديا- لم توافق على أن يتضمن البيان أي إشارة إلى خلافات ثنائية بخصوص بحر الصين الجنوبي. ولكن العالم بأسره، بما فيه أغلب دول الآسيان، رأى موقف كمبوديا كنتيجة لضغوط صينية هائلة.

لقد أثبت انتصار الصين أنه باهظ الثمن، فقد فازت في معركة البيان، ولكن لعلها خسرت عشرين عاماً من النوايا الحسنة التي تراكمت بشق الأنفس، ونتيجة جهود عديدة مثل اتفاقية التجارة الحرة بين الآسيان والصين، التي تم توقيعها في نوفمبر 2002، والأمر الأكثر أهمية، أن قادة الصين السابقين كانوا يرون أن آسيان القوية الموحدة توفر جدار حماية بالغ القيمة ضد أي استراتيجية احتواء ممكنة من قِبَل الولايات المتحدة. والآن ومع تقسيم الآسيان، زودت الصين أميركا بأفضل فرصة جيوسياسية ممكنة في المنطقة، ولو كان دنغ شياو بينغ على قيد الحياة، فإن هذا كان سيصيبه بانزعاج شديد.

قد يكون من غير العدل إلقاء اللوم على قادة الصين فيما يخص كارثة انهيار الآسيان، فالأرجح أن بعض صغار الموظفين المتعصبين روجوا لموقف متشدد فيما يتصل ببحر الصين الجنوبي، في حين ما كان لأي من قادة الصين، إذا خُيَّر، أن يختار تخريب بيان الاجتماع الوزاري للآسيان، ولكن مجرد حدوث هذا الأمر يكشف عن مدى الضعف الذي اعترى عملية اتخاذ القرار حالياً في الصين.

والواقع أن "الخط ذا النقاط التسع" الذي رسمته الصين حول بحر الصين الجنوبي قد يثبت في النهاية أنه ليس أكثر من عبء جيوسياسي ثقيل حول عنق الصين. فلم يكن من الحكمة إلحاق الخريطة بالمذكرة الشفهية رداً على الطلب المشترك الذي تقدمت به فيتنام وماليزيا للجنة الأمم المتحدة المختصة بحدود الجرف القاري في مايو 2009. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها الصين بإرفاق الخريطة في اتصالات رسمية مع الأمم المتحدة، ولقد أثار هذا قلقاً عميقاً بين بعض الدول الأعضاء في الآسيان.

ولم تفوت الولايات المتحدة الفرصة الجيوسياسية التي أمدتها بها الصين بتضمين هذه الخريطة، فقد بذلت، بشكل غير معتاد إلى حد كبير، المزيد من الجهود للتصديق على اتفاقية قانون البحار. فبوضعها للخط ذي النقاط التسع على الطاولة في الأمم المتحدة، وضعت الصين نفسها في موقف خاسر لا محالة، نظراً لصعوبة الدفاع عن الخريطة بموجب القانون الدولي، فكما أشار المؤرخ البارز وانغ جونغ وو، فإن أولى الخرائط التي تطالب ببحر الصين الجنوبي كانت يابانية، ثم ورثتها الصين القومية.

وعلى الصعيد المحلي أيضا، قد يتسبب الخط ذو النقاط التسع في إثارة مشاكل للحكومة من خلال تقدم سلاح مفيد للمنتقدين، وأي تلميح عن التوصل لتسوية سوف يكشف المسؤولون سياسيا. وبعبارة أخرى، بسبب بضعة صخور في بحر الصين الجنوبي وضعت الصين نفسها بين المطرقة والسندان.

لا شك أن الصين سوف يكون لزاماً عليها أن تجد وسيلة للتسوية بشأن الخط ذي النقاط التسع، ولقد بدأ ذلك بالفعل في تكتم، فعلى الرغم من أن هذا الخط يغطي المياه الواقعة إلى شمال شرق جزر ناتونا الإندونيسية، فإن الحكومة الصينية أعطت إندونيسيا تأكيدات قاطعة بأن الصين لا تطالب بجزر ناتونا أو منطقتها الاقتصادية الخاصة.

لقد عملت هذه التأكيدات الشخصية على تهدئة العلاقات مع إندونيسيا، فلماذا إذن لا تقوم الصين بمبادرات مماثلة مع دول الآسيان الأخرى؟

إن إرث دينغ مختلف تمام الاختلاف عن إرث سلفه ماو تسي تونغ، ولكن الزعيمين الأكثر أهمية للجمهورية الشعبية اتفقا في نقطة واحدة: وهي أن كلاً منهما بذل جهوداً حثيثة في تقديم تنازلات إقليمية من أجل حل خلافات حدودية. وهذا يفسر سخاء الصين في التعامل مع روسيا، على سبيل المثال، في تسوية القضايا الحدودية بين البلدين.

ولم يكن بوسع ماو أو دينغ أن يقدم مثل هذه التنازلات إلا لأنه كان زعيماً قوياً للصين، والتحدي الذي يواجه العالم الآن هو أن الصين أصبح لديها تعددية سياسية: بمعنى أن أي زعيم بمفرده لا يملك القدر الكافي من القوة لتقديم تنازلات حكيمة أحادية الجانب.

لن يحدث جديد في الصين قبل أن يكتمل انتقال الزعامة في نوفمبر. وسوف تحتاج إدارة شي جين بينغ ولي كتشيانغ الجديدة إلى بعض الوقت قبل أن تستقر، ولكن الولايات المتحدة الأميركية تستيقظ الآن، وكذلك بقية العالم في عام 2016، وبذلك يصبح السؤال الآن هو: هل الصين مؤهلة جيوسياسياً لكي تصبح رقم واحد كما كانت مؤهلة عندما كانت رقم اثنين؟

كيشور محبوباني

* عميد كلية لي كوان يو للسياسة العامة في جامعة سنغافورة الوطنية، ومؤلف الكتاب الذي ينتظر صدوره قريباً بعنوان «التقارب الأعظم: آسيا والغرب ومنطق العالم الواحد».

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top