الخامس من أغسطس يوم له تاريخ

Ad

الإنجاز العلمي العظيم الذي أرجو أن تحققه وكالة ناس للفضاء الأميركية، لفهم وتفسير تغيرات المناخ، عندما يهبط اليوم الأحد الخامس من أغسطس الجاري المعمل الآلي curiosity على سطح المريخ، والذي أطلقته الوكالة لدراسة وتحليل عينات التربة والصخور على سطح المريخ، على مدار سنتين إلى خمس سنوات، وهو ما سوف يعين على تحديد وجود حياة على سطح المريخ في وقت من الأوقات، هو إنجاز رفيع المستوى يمكن أن تفتخر وتعتز به الوكالة، وسوف يسجل من بين إنجازاتها على مدار أربعين عاما.

إنجاز علمي لم يدعيه أوباما

وبالرغم من عظمة هذا الإنجاز الذي بلغت تكلفته 2.5 مليار دولار، ويتقاسم العمل فيه 500 فرد من أفضل الباحثين والمهندسين والعلماء من مختلف دول العالم، فإننا لم نسمع أن الرئيس الأميركي أوباما، أو أن الحملة الانتخابية للرئيس التي ينظمها الحزب الديمقراطي، قد أعلنت هذا الإنجاز بوصفه أحد أعمال الوكالة العظيمة في عهده، أو بناء على توجيهات الرئيس أو تعليماته، كما يحدث في بلادنا، عندما ينسب كل شيء إلى الرئيس، حتى أبسط الأشياء التي تقوم بها المحليات.

ومرد ذلك إلى أن الحكام في هذه البلاد لا يستخفون بعقول شعوبهم، بل يحترمونها، ولا يسرقون أعمال غيرهم لينسبوها لأنفسهم، وأن الشعوب هناك تلفظ حكامها أو تقاضي المسؤولين فيها إذا كذبوا.

والحكام هناك يقدرون العلم حق قدره، وينأون به عن السياسة ودهاليزها، لأن السياسة إذا دخلت أبواب العلم، خرج العلم من أقرب نافذة.

وقد قال كارليل قبل أكثر من مئة عام مضت "لو خيرت إنكلترا بين الهند وشكسبير، لاختارت شكسبير"، فالهند جوهرة التاج، قد تذهب أما شكسبير فباق.

البقاء لله وحده

ولئن كان البقاء لله وحده، إلا أن الإبداع الإنساني في شتى مجالات العلوم والمعرفة والآداب والفنون هو من نعم المولى عز وجل على الإنسان، يكتبه لمن يبقى من العلماء والأدباء والفنانين في عقل وقلب وضمير البشرية، بما قدمه من علم أو أدب أو فن أفاد البشرية.

لهذا فإن شكسبير، شاعر إنكلترا العظيم، في نظر كارليل ترجح كفته وحده على كفة الهند التي أصبح عدد سكانها يقترب من المليار نسمة، والتي كانت حقولها مزارع للأقطان التي تدار بها مصانع الغزل والنسيج في بريطانيا، كما أصبحت الهند تنافس الولايات المتحدة الأميركية في نظم المعلومات، وتمتلك القنبلة النووية، وتنتج الصواريخ عابرة القارات والطائرات النفاثة، وتقوم فيها أعظم ديمقراطية في قارة آسيا.

إقصاء العلماء في بلادنا

والشعوب هناك تعلي قدر العلماء ولا تقصيهم، كما فعلنا مع العالم الكبير د. أحمد زويل عندما قامت اللجنة التي شكلها المجلس العسكري في مصر لإجراء بعض التعديلات الدستورية، فعدلت المادة (76) من دستور 1971، لتقصي العالم الجليل عن الترشّح لرئاسة مصر، حيث يحظر التعديل الترشح للرئاسة على كل متزوج بغير مصرية، لأن العالم الجليل متزوج من سورية.

الإسلام يعلي من قدر العلماء

وقد قال المولى عز وجل "إنما يخشى الله من عباده العلماء"

ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع"، وفي حديث شريف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "يشفّع يوم القيامة الأنبياء ثم الشهداء ثم العلماء".

حرمة العلم والمسجد

ولعل القداسة التي يحتلها العلم ترجع في جذورها إلينا نحن المسلمين، ونبتتها الأولى أن المساجد كانت في صدر الإسلام حرما للعلم والعلماء، لم تكن تدرّس فيها علوم القرآن والفقه فحسب، بل كانت تدرّس فيها العلوم والآداب، وكانت المساجد بمنزلة مدارس يقصدها طلاب العلم، وكانت منبراً للشعراء على اختلاف أديانهم وأوطانهم، فكان الأخطل الشاعر النصراني يدخل مساجد المسلمين في الشام والعراق، فيقف له المسلمون احتراماً، فقد كانت المساجد مراكز إشعاع حضاري للنهضة العلمية والأدبية في صدر الإسلام. وقد كان الخلفاء يقربون العلماء ويغدقون عليهم العطاء ويجعلونهم من جلسائهم، وبهذا ازدهرت حضارة العرب وعلومهم.

إمكانات العالم العربي وقدراته

وفي هذا السياق تبدو المفارقة كبيرة بين دولة مثل إسرائيل تحتل رقعة صغيرة من الوطن العربي الذي تمتد مساحته بين قارتين ليحتل 5.3 ملايين ميل مربع، تمثل 10.23% من مساحة العالم، أي ما يزيد على مساحة أوروبا وعدد سكانه 328.6 مليون نسمة، تمثل 5.01% من مجموع سكان العالم، في الوقت الذي لا يزيد فيه سكان إسرائيل على 7.5 ملايين نسمة، عدد اليهود فيهم لا يزيد على 4.5 ملايين، كما يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للعالم العربي 1472 مليار دولار، تمثل 2.64% من الناتج الإجمالي العالمي، الأمر الذي يفرض بالمنطق الحسابي أن يتبوأ العالم العربي مكانة- بالنسبة إلى مساحته- بين أول عشر دول في العالم، أو عشرين دولة في العالم- بالنسبة إلى عدد سكانه أو إجمالي احتياطيه من العملات الأجنبية- وبين أول أربعين دولة في العالم بالنسبة إلى ناتجه القومي. وعلى الرغم من ذلك فإن الإنفاق على البحث العلمي في العالم العربي لا يجاوز 0.2% من الناتج القومي، في الوقت الذي تنفق فيه إسرائيل على البحث العلمي 4.7% من ناتجها القومي، يساهم القطاع الخاص بـ70% منه.