الخوف وتكاليفه الاقتصادية

نشر في 05-06-2012
آخر تحديث 05-06-2012 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت إن أسهم مؤشر "ستاندرد آند بورز" تدر الآن عائداً حقيقياً (معدلاً حسب التضخم) يبلغ 7%، وفي المقابل فإن سعر الفائدة الحقيقي السنوي على سندات الخزانة الأميركية ذات السنوات الخمس المحمية ضد التضخم هو سالب (-) 1.02%. أجل هناك علامة ناقص: فإذا اشتريت سندات الخزانة الأميركية ذات السنوات الخمس المحمية ضد التضخم، فإن الفائدة التي ستدفعها لك وزارة الخزانة الأميركية سنوياً على مدى السنوات الخمس المقبلة ستساوي معدل تضخم أسعار المستهلك في العام الماضي ناقص 1.02%. وحتى سعر الفائدة الحقيقي السنوي على سندات الخزانة الأميركية ذات الثلاثين سنة المحمية ضد التضخم لا يتجاوز 0.63%- وأنت تخوض مجازفة كبيرة لأن قيمتها قد تنخفض عند نقطة ما على مدى الجيل القادم، وهو ما يعني خسارة كبيرة إذا أردت بيعها قبل تاريخ استحقاقها.

تخيل إذن أنك تستثمر عشرة آلاف دولار في مؤشر "ستاندرد آند بورز". هذا العام، سيكون نصيبك في الأرباح التي حققتها هذه الشركات 700 دولار، والآن تخيل أن الشركات ستدفع لك من هذا الإجمالي 250 دولاراً على هيئة أرباح (وهو المبلغ الذي ستستثمره في شراء المزيد من الأسهم) وتحتفظ ببقية الأرباح (450 دولاراً) لإعادة الاستثمار في أعمالها. وإذا قام مديرو الشركات بوظيفتهم على خير وجه فإن إعادة الاستثمار ستزيد من قيمة أسهمك لتصبح 10450 دولاراً. وإذا أضفت إلى هذا المبلغ 250 دولاراً في هيئة أسهم مشتراة حديثاً، فإن قيمة حافظة استثماراتك في العام القادم ستصبح 10700 دولار- أو أكثر إذا ارتفعت تقييمات سوق الأوراق المالية، وأقل إذا انخفض تقييماتها.

في الواقع، على مدى أي فترة ماضية طويلة بالقدر الكافي لموجات من التفاؤل والتشاؤم تلغي كل منها تأثير ما قبلها، فإن متوسط العائد من الأرباح على مؤشر "ستاندرد آند بورز" كان بمنزلة دليل جيد للعائد على حافظة الاستثمار. لذا، فإذا استثمرت عشرة آلاف دولار في أسهم مؤشر "ستاندرد آند بورز" في السنوات الخمس المقبلة، فبوسعك أن تتوقع (في ظل تقلب مستويات الرواج والركود) أرباحاً تبلغ 7% تقريباً سنوياً، وبهذا يتراكم لديك ربح مركب مقداره 4191 دولاراً بعد التعديل حسب التضخم. وإذا استثمرت عشرة آلاف دولار في سندات الخزانة الأميركية المحمية ضد التضخم، فبوسعك أن تتوقع خسارة مقدارها 510 دولارات في خمسة أعوام.

وهي فجوة غير عادية في العائدات التي قد تتوقعها. وبطبيعة الحال يثير هذا سؤال آخر: لماذا لا ينقل الناس أموالهم من سندات الخزانة الأميركية المحمية ضد التضخم (وسندات الخزانة الأميركية وغيرها من الأصول الآمنة) إلى الأسهم (وغيرها من الأصول الخطرة نسبيا)؟

الواقع أن الأسباب لدى الناس مختلفة، وتفكير العديد من الناس ليس متماسكاً إلى حد كبير، ولكن يبدو أننا أمام تفسيرين رئيسيين:

الأول، أن العديد من الناس ليسوا على يقين من أن الظروف الحالية ستستمر، وأغلب خبراء الاقتصاد يتوقعون أن العالم يبدو بعد عام من الآن أشبه كثيراً بالعالم اليوم، حيث تظل معدلات البطالة وهوامش الربح عند نفس مستوياتها تقريبا، وترتفع الأجور والأسعار بنحو 1.5% في المتوسط، ويرتفع الإنتاج الإجمالي بنسبة 2% تقريبا، والمخاطر على الجانبين الإيجابي والسلبي. ولكن العديد من المستثمرين يرون احتمالاً كبيراً لتكرار أحداث 2008-2009، سواء كان ذلك ناجماً عن أزمة يورو كاملة النطاق أو عن حدث آخر غير متوقع وغير مرئي بعد، ويخشون أن الحكومات، خلافاً لما حدث أثناء الفترة 2008- 2009، قد تفتقر إلى ما يلزم من السلطة والإرادة لتخفيف التأثير الاقتصادي.

ولا ينظر هؤلاء المستثمرون إلى العائد السنوي بنسبة 7% على الأسهم باعتباره توقعاً متوسطاً، مع موازنة مخاطر الجانب السلبي بفرص الجانب الإيجابي، بل إنهم يتوقعون سيناريو جيدا لا يرتكن إليه سوى المتهورين الحمقى.

والثاني أن العديد من الناس يرون أن العائد على الأسهم بنسبة 7% سنوياً توقع معقول، ومن الطبيعي أن يغتنموا الفرصة- بالإضافة إلى فرصة حدوث مفاجآت على الجانب الإيجابي- ولكنهم لا يعتقدون أنهم قادرون على تحمل مخاطر الجانب السلبي. الواقع أن العالم يبدو مكاناً أشد خطراً مما كان عليه قبل خمسة أعوام. فأعباء الديون القائمة مرتفعة للغاية، ويتلخص هدف المستثمرين الرئيسي في تجنب الخسارة، وليس توخي الربح.

ويعكس كلا السببين فشلاً ذريعاً من جانب مؤسساتنا الاقتصادية، فالسبب الأول ينم عن الافتقار إلى الثقة بأن الحكومات قادرة أو راغبة في القيام بالوظيفة التي تعلمت كيف تقوم بها في أزمة الكساد الأعظم في ثلاثينيات القرن العشرين: الإبقاء على تدفق الإنفاق ثابتاً حتى لا تتكرر فترات الكساد الكبرى التي تتسم بارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات هائلة لمدد طويلة. والثاني يكشف عن فشل الصناعة المالية في تعبئة قدرة المجتمع على تحمل المخاطر بالقدر الكافي لخدمة المغامرة التجارية.

يبدو أننا كأفراد ننظر إلى المقامرة التي تبلغ فرص نجاحها في مضاعفة ثروتنا 50% ونفس النسبة لاحتمالات تقلص هذه الثروة إلى النصف باعتبارها مقامرة تستحق التفكير- وهو ليس بالأمر البدهي، ولكنه ليس مستبعداً تماماً أيضاً. إن الأسواق المالية العاملة بشكل طيب كانت ستحرص على تعبئة القدرة على تحمل المخاطر وتسخيرها لتحقيق مصلحة الجميع، حتى يصبح بوسع الناس الذين يرون أنهم لا يستطيعون تحمل المخاطر المترتبة على ملكية الأسهم أن يحولوا هذا الخطر إلى آخرين في مقابل رسوم معقولة.

وبوصفي خبيراً اقتصاديا، فإني أجد هذه الحال محبطة إلى حد كبير. فنحن نعرف، أو على الأقل يتعين علينا أن نعرف، كيف نبني المؤسسات المالية التي تقبل مهمة تثبيت استقرار الاقتصاد الكلي، وكيف نبني المؤسسات المالية الكفيلة بتعبئة القدرة على تحمل المخاطر ونشر المخاطر. ولكننا حتى الآن فشلنا بدرجة كبيرة في القيام بهذه المهمة.

* جايمس برادفورد ديلونغ | James Bradford DeLong، مساعد وزير الخزانة الأسبق في الولايات المتحدة، وأستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وباحث مشارك لدى المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top