رحل مجلس 2009 للمرة الثانية غير مأسوف عليه، وكل ما هو مطلوب من الحكومة اليوم هو احترام حكم المحكمة الدستورية، وترك مهمة تعديل قانون الانتخاب لمجلس الأمة القادم، وتركنا نحن- الناخبين- نقوم بواجبنا الذي سيصب في مصلحتها بالنهاية دون أن تتكلف عناء المواجهة مع معارضة جديدة ستتشكل وفق معطيات الزمن الحديث الذي تجاوز زمن حل 76 و86.
ذلك الطريق هو الأسلم والأقل كلفة، وغيره قد تحصدون فيه بعض النتائج الفورية التي «تبرد قلوبكم»، ولكن على المدى البعيد سرعان ما ستكتشفون أن «تفردكم» في الساحة ومعكم المجلس الوطني الجديد، سيجعلكم في مواجهة «التنور» الجماهيري مباشرة، ونغمة «مجلس الأمة هو السبب» لن تجدوا من يصدقها، ومن سيحترق «بالضرورة» هم أنتم وكل من وقف معكم... «اللهم إني بلغت... اللهم فاشهد».***في فبراير 2000 «تشطرت» كل من جريدتي «السياسة» و«الوطن» ونشرتا بالتناوب ما اعتبر سبقاً صحافياً تمثل بمرسوم أميري يخص زيادة رواتب أفراد الجيش الكويتي، تداعيات ذلك الخبر لم تكن متوقعة، فقد اتخذ مجلس الوزراء في حينها قراراً بسحب امتياز جريدة «السياسة» وتعطيل جريدة «الوطن» لمدة سنتين «هكذا» دون اللجوء إلى القضاء.تلك القرارات لم تتجرأ الحكومة على البوح بها، وظلت تنفي وتنفي حتى تدخل سمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح وأصدر أمراً أميرياً بوقف الإجراءات الحكومية المتخذة كافة، ونزع فتيل تلك الأزمة... يرحمه الله.تذكرت هذه الحادثة وأنا أتابع هذه الأيام سلسلة المراسيم الأميرية التي تصدر من أطراف لا علاقة لهم بالديوان الأميري أو مجلس الوزراء، أو أي جهة رسمية مخولة في الحديث عن تلك الإجراءات.لقد انحرفت هذه العملية عن مسارها الصحيح لأن مجلس الوزراء صامت لا ينفي ولا يتحرك ضد هذا العبث، وربما والله أعلم هو «معجب» بما يحصل لأن المتضرر والمرعوب هو كتلة الأغلبية المبطلة التي «ياما» أرعبت الحكومة وأخافت وزراءها.في الأنظمة المستقرة لا يمكن القبول بهذه التصرفات العشوائية لا من الأطراف التي تريد تصفية الوضع السياسي عبر استخدام أدوات لا يحق لأحد غير حضرة صاحب السمو أمير البلاد استعمالها، ولا من مجلس الوزراء والديوان الأميري اللذين يردان مرة ويصمتان عشرة.لقد ذكرت تلك الحكاية للتذكير بأن مجلس الوزراء آنذاك حاول تحقيق غرض «مستحق»، وهو ردع من ينسب إلى سمو أمير البلاد مراسيم لم تصدر ويحدد شكلها ومضمونها وموعد صدورها، ولكنه في الوقت نفسه ارتكب خطيئة كبرى عندما «مسح» صحيفتين من الوجود بقرار متعجل لا أساس له من الصحة، نحن نريد وقف هذا العبث بإجراءات صحيحة ومعقولة.في الختام بعد التجارب التي عشناها مع أغلب الأطراف المتصارعة في الساحة لم أجد طرفاً آلت إليه كفة القوة إلا فعل الأسوأ في خصومه وباسم الدستور، الحكومة عندما تسيدت تجبرت وبعد أن أعز الله الأقلية وجعلها أغلبية فعلت فعل الحكومة وأكثر، وما بين ليلة وضحاها عادت الأمور سيرتها الأولى ففعلت الحكومة وأعوانها فعلهم الأول.هذه أرض سياسية مريضة جدباء لن تنبت فيها تنمية، ولن «يركز» فيها عمود حتى «تتبدل» تربتها ويُحلَّى ماؤها الأجاج.
مقالات
الأغلبية الصامتة: من سيحترق بالضرورة؟
09-10-2012