نصائح تحمي من «عدوى» الإجهاد

نشر في 17-11-2012 | 00:02
آخر تحديث 17-11-2012 | 00:02
يقول البعض إن الإجهاد نوعان، «مفيد» و{ضار». في الحقيقة، لا وجود للإجهاد «المفيد» أو «الضار»، إنما ثمة تمييز بين الإجهاد الحاد الذي يجند الموارد والإجهاد المزمن الذي يستنفدها.
الأول هو جهد يبذله الفرد، بهدف الاستجابة بسرعة إلى حالة محددة في وقت محدد، بتعبير آخر التأقلم مع وضع معيّن. هنا يمكن القول إنها استجابة «إيجابية». لكن تتحول هذه الاستجابة إلى «سلبية» عندما تستمرّ، فيصبح الإجهاد مزمناً ويستنفد دفاعاتنا الجسدية والنفسية، إلى أن نصاب بمرض أو اكتئاب.
من دون الإجهاد، نفقد قدرتنا على التأقلم مع العالم، تمامًا كالتمرين الجسدي، الذي يفيد ضغطه الجسم في الحفاظ على مرونته. فالإجهاد يحسن المرونة النفسية والسلوكية والعاطفية، ومن دون التعرض لضغط جسدي أو نفسي، لن ندرك  كيفية مواجهة إشكالية معينة كطلب موعد من الطبيب مثلاً والذهاب إليه. تخلصي من الممارسات غير المفيدة والعقيمة، وبدلاً من إنفاق الطاقة في مكافحة الإجهاد، من الأجدى تعلم كيفية التصرف بطريقة انعكاسية، إنها وسيلة فعالة تجنبنا الخضوع له.

هل يجب استباقه؟ الفكرة مغرية، لكن لسوء الحظ ليست ممكنة في الواقع، لماذا؟ لسببين متكاملين. يعرّف الإجهاد بأنه حدث مفاجئ يتمّ في الحاضر، إذا أردنا شرحه بشكل تصويري، فيمكن تشبيهه بحجرة تسقط على رؤوسنا فجأة من دون سابق إنذار، في الواقع، يبدو أن الاستباق غير مفيد في حالة الإجهاد، فضلاً عن أنه مفهوم سلبي في الأساس. فالإنسان، بطبيعته، يتوقع الأسوأ، بالتالي، تضييع الوقت باستباق الأحداث المجهدة الممكنة لن يؤدي سوى إلى مزيد من الإجهاد، بالإضافة إلى ذلك، البقاء في حالة استباق على الدوام يعزز الشعور بالقدرة على السيطرة على كل شيء، لكن عندما نجد أنفسنا أمام حدث غير متوقع، نقع في عجز  ما يفاقم الإجهاد. من الضروري إذًا عيش الحقيقة الحالية وتقييم الأولويات والقيام بالخيارات وتقبل التنازلات.

وراثي ونفسي

أن نكون مهيّئين وراثيًا للإجهاد لا يعني بالضرورة أن نعانيه أكثر. أثبتت الدراسات أن الظروف البيئية وتاريخنا الشخصي يؤثران على مدى تعبير جيناتنا عن نفسها، فالأشخاص الذين لديهم مستوى منخفض من السيروتونين، هم مهيأون وراثيًا للإجهاد، ويمكنهم أقلمة نمط حياتهم مع ضعفهم العاطفي وتجنب مواجهة أحداث محبطة.

في المقابل، الأشخاص الذين يتمتعون بمستويات مرتفعة من السيروتونين وقلما يخضعون للإجهاد، قد يميلون إلى المخاطرة المتهورة والتعرض لظروف محرجة ومقلقة تنتهي باستنفادهم قبل أوانهم. خلاصة القول، تؤثر ظروف حياتنا على استعدادنا للإجهاد على الرغم من أنه محدد وراثيًا.   

في السياق نفسه، تدخل مسألة التمييز بين الإجهاد الجسدي والإجهاد النفسي ضمن الأفكار المتوارثة، فيما أظهرت دراسات أنهما مترابطان. في الواقع، يعمل الإجهاد دائمًا على نمط واحد فيما تتغير طبيعة الحدث المحرك، يمكن أن تكون نفسية كالنزاع في اطار مهني، أو جسدية كالإزعاج السمعي. عندما نشعر بإجهاد نفسي، يترافق ذلك مع ضغط جسدي وضعف، وكلما تفاقم الشعور بالعجز، ازداد ميلنا إلى تحويل الإجهاد إلى مسألة نفسية.

التعريف الحقيقي

الإجهاد الذي يعني الضغط ليس عاطفة بل استجابة تعاقبية للجسم بأكمله في وجه خطر حقيقي أو مفترض. يؤدي هذا الردّ السريع والفوري إلى ضغط جسدي ونفسي، وينتج عواطف سلبية كالخوف والقلق اللذين يدفعاننا إلى التفكير بالأسوأ. عندما يتم تحفيز الجهاز العصبي، يطلق ردود فعل متتالية: ارتفاع إفراز الأدرينالين ما يسرّع دقات القلب ويوجه تدفق الدم إلى العضلات، والكورتيزول الذي يزيد الطاقة.

عندها نصبح في حالة تأهب قصوى لمواردنا الجسدية والفكرية للعثور على حل للمشكلة: الهروب أو المواجهة؟ بعد بضع دقائق، وحالما يزول الخطر، يلجأ الجسم إلى مخزوناته للحصول على الطاقة، ويطلق هرمونات (الاندورفين، الدوبامين، السيروتونين) لاستعادة الهدوء.

عندما تستمرّ حالة الإجهاد، نجد أنفسنا في حالة استجابة دائمة، ما يرهق الجهاز القلبي الوعائي ويقلل دفاعاتنا المناعية ويخل بقواعد هرمونية ضرورية لوظيفة جسمنا السليمة.

تجربة

العائلة المختلطة والعمل الشاق وأوقات التنقل التي لا تنتهي... كلها ظروف تعرضك للتوتر ولعدوى الاجهاد من الآخر. إليكم تجربة صحافية اختبرت تمارين مضادة للإجهاد وعرفت كيف تحافظ على الهدوء.

ما من شخص أفضل مني لتجربة هذه التمارين المضادة للإجهاد، فأنا أم لعائلة مؤلفة من خمسة أولاد (صبيان وبنات) بعضهم في المدارس وبعضهم الآخر في الجامعات. يتعين علي كأم، تهدئة مخاوف البعض ودعم جهود البعض الآخر فيما أطمئنهم وأسهر على تربيتهم بهدوء وأنا أبتسم.

الأمر سيان في الصحيفة حيث أعمل: علي مقاومة الضغط الذي يزداد مع تأخر إنجاز المقالات وصدورها وتنظيم العمل والاستماع إلى الزملاء... لا يحدث هذا كله بشكل تلقائي، خصوصًا عندما تتراكم الضغوط ويصعب معها إيجاد الراحة والهدوء في المساء، فنصحتني رئيسة التحرير بطلب المساعدة من خبير نفسي ليقترح عليّ تمارين سهلة تساعدني على الهدوء. يا لها من فكرة رائعة! لا ينقصني حاليًا سوى إيجاد وقت لممارسة هذه التمارين، ما زادني توترًا واضطرابًا.

زرت عيادة خبيرة نفسية، لم تفاجأ لدى اطلاعها على حالتي وقالت لي: «الإجهاد الذي يعاني منه  «الآخر» معدٍ  لأنه يؤدي  إلى نمط لا يتناسب مع نمطنا: تسارع الحركات، تغير نبرة الصوت... فنتفاعل مع هذه المحفزات ونزيد تلقائيًا إجهادنا الشخصي، ما يفاقم المشكلة، لذلك، أفضل طريقة للحدّ من إجهادنا تكمن في الحدّ من إجهاد الآخر، كيف؟

أولاً، تعديل المظهر الخارجي: اللون الأزرق يهدئ والأحمر يعكس العدوانية والأخضر يثير الرغبة في التغيير... لا يتعلق الأمر بسلوك سحري، بل باستجابات عصبية وحسية لمحفز محدد.

ثانيًا، استعادة التوازن الشخصي، إما بتعزيزه من خلال الاستماع إلى موسيقى صاخبة أو المشي السريع إذا كان الآخر خاملاً، إما بالتهدئة من خلال التنفس العميق أو الموسيقى الهادئة إذا كان الآخر غاضبًا.

ثالثًا، تحفيز حاسة الذوق والشعور بالحرارة أو البرودة. إذا كنت تحبين تناول البوظة والنكهات المنعشة، فاشربي كوبًا من العصير عندما تعانين الإجهاد فتعود السكينة إليكِ. أما شرب كوب من القهوة الساخنة فيساعد على إحلال الاستقرار العاطفي. هذه التقنية يعتمدها رجال الإنقاذ الذين يقدمون الماء إلى ضحية حادث أو صدمة ما.

في النهاية، توصي الاختصاصية بتدليك الأطراف، اليدين والرجلين، وتسريح الشعر أو ببساطة تغيير الحذاء. تحدّ هذه الأعمال البسيطة من الضغط وتضفي شعوراً بالسكينة والهدوء. أعشق هذه النصائح السهلة التطبيق، فقد لاحظت أن الخطوة الأولى التي أقوم بها  عند عودتي إلى المنزل هي المشي حافية القدمين. يمكننا، بشكل غرائزي، العثور على طرق وحالات توفر لنا الهدوء وتشعرنا بتحسن. في الواقع، نحن نملك هذه القدرات، لكن الأصعب هو السماح لأنفسنا باللجوء إليها.

في اليوم التالي يعود التوتر إلينا بسبب مشكلة في العمل ناتجة من محيطنا، كأن يحدث خلاف مع متصل بي على الهاتف. أقفل الخط وأتمنى لو أبتعد عن هذا العالم. إنها فرصة جيدة لأتنبه إلى اتزاني: أحضر كوبًا من الشاي وأشربه وأنا أتنزّه في الحديقة. ليست هذه وسيلة عظيمة، لكنها مفيدة. بهذه الطريقة، أضع حدّاً للغضب ويهدأ التنفس.

مساعدة الشباب

 

لن أنسى قول الاختصاصية النفسية: «لا نسمح لأنفسنا بالاعتراف بحالة الإجهاد، إلا أن ذلك يساعدنا على تجنب تفاقمه». وأضافت: «في حالة إجهاد الشباب أثناء الامتحانات، يجب أن نساعدهم على استعادة التوازن. إليكِ نصيحة سهلة، تتمثل في مضغ عرق السوس مثلاً، فيمكن أن نمارس عليه ضغط الفك ما يسمح بتغيير وتيرة التنفس وبالتالي الهدوء.

مساعدة الشباب في مكافحة الإجهاد هدفي الثاني، حتى في أوقات الامتحانات، يؤثر مزاج الأهل في مسألة الإجهاد، فكلما ازداد قلقهم حيال النتيجة، ازداد قلق الولد. وها نحن نواجه مجددًا ظاهرة العدوى.

يجب أولاً التعبير عن مشاعرنا، فهذه الطريقة تساعد في دحض الإجهاد. من الضروري، ثانياً، اتباع روتين على مستوى العائلة ككل: تناول العشاء في وقت ثابت، النوم في وقت غير متأخر... القيام بنشاطات سويًا لاستعادة التوازن.

بما أن زحمة المرور تثير غضبي كل يوم أثناء العودة إلى منزلي، أذهب للتنزه برفقة ابنتي في الحديقة بدلاً من الانكباب على الأعمال المنزلية، ما يساعدني على الاسترخاء والاستفادة من الوقت للتحدث سوياً.

يؤكد أحد خبراء النفس أن قلق أحد أفراد العائلة قد ينسحب على أفراد العائلة كلها. فما من ظاهرة معدية أكثر من ذلك، إذ يمكن لأحد الأشخاص أن يغرق مجموعة كاملة في الدوامة التي يتخبّط بها.

من الضروري إذًا البحث عن سبب القلق الأساسي: النتائج المدرسية؟ الأهداف المهنية؟ المشاكل العاطفية؟  فضلاً عن ذلك، من المهم التواصل معه وتحليل المشكلة، ما يساعد في تحديد القرارات الواجب اتخاذها لتحسين الوضع.

التنفس وسيلة أخرى تساعد على استعادة التوازن والهدوء، لم أفكر يومًا في ممارسة تمارين الزفير والشهيق مع أولادي... أو حتى عندما أقود السيارة، فهي مفيدة فعلاً حتى إن لم يفلح ذلك في الحالات كافة.

back to top