أول العمود: باسم الصيام يجري تعطيل مصالح الناس. *** في أي حديث حول موضوع ندعي أنه علمي ومركز، لابد من تحديد مصطلحاته بدقة. يكثر الحديث اليوم عن فئة "الشباب" خصوصاً في مجال زجهم في أتون الصراعات السياسية التي دمرت المجتمع، وإقحامهم في قضايا وشعارات لا يفقه السياسيون المراد منها، وإلى أين ستؤدي بنا جميعاً؟ هناك قياسان للأعمار يعتمدهما كل من البنك الدولي والأمم المتحدة لحصر فئة الشباب في المجتمعات، فالأول يحصرها بين 15 و25 عاماً، في حين تحدد الأمم المتحدة السن بين 15 و24 عاماً... وهما مقياسان عمريان متقاربان ولا خلاف على بدايتهما على الأقل. وإذا ما حاولنا تطبيق مقياس الأمم المتحدة على الوضع الكويتي فسنحصل على الرقم التالي استناداً إلى الإحصاءات التي توفرها هيئة المعلومات المدنية عن ديموغرافية السكان حتى تاريخ 31/ 12/ 2011، وهي أن إجمالي الشباب الكويتيين هو 54.5 ألف نسمة. في ظني المتواضع أن الشباب في تلك السن لا يملكون الثقافة السياسية ولا القدرة على المطالبة بتغييرات أو تعديلات على النظام السياسي والانتخابي، والدليل تجربة "نبيها خمس" رغم نقائها. وهي- أي فئة الشباب- تعيش اليوم بين أحضان "مرشحين" مفترضين لعضوية مجلس الأمة أكثرهم من المتعصبين دينياً وطائفياً وقبلياً، أي إن حاضنهم يعاني المرض الذي يفتك بالمجتمع، ويتم يومياً شحنهم بالشعارات الغوغائية التي لا تعرف سقفاً، فنحن نعاني اليوم الذهنية العنجهية التي تريد كل شيء بدون مناقشة، وتريد تحقيق كل الرغبات دون اعتراض ويجري شحن الشباب بهذه الذهنية وتوظيفهم لأغراض مثل اقتحام المجلس والتظاهر أمام المحاكم والاعتراض على أحكام القضاء، كما حدث بالاستهزاء بحكم المحكمة الدستورية الذي أبطل مجلس 2012. بالطبع ليس صحيحاً أن عدداً ممن ينتمون إلى تلك الفئة العمرية التي ذكرناها هم وحدهم من مرتادي التجمعات، إذ بينهم من هو أكبر بقليل ودون الـ35 ويطلق عليهم تجاوزاً كلمة شباب أو تجمعات شبابية، ولو أضفنا من هم بين سن الـ25 و39 فسيتسع رقم "الشباب" بزيادة تصل إلى 220.093 ألف نسمة مضافاً إليهم فئة الشباب الحقيقيين المصنفين حسب التعريف الدولي، وهو 54.5 ألف شاب. السؤال هنا: هل كل هؤلاء الشباب يريدون إمارة دستورية، ورئيس وزراء شعبياً، وحكومة برلمانية؟ وقبل ذلك هل يعون ما هي هذه المصطلحات ونتائجها؟ وهل خضعت في السابق للدرس والمناقشة بين التيارات السياسية؟ وهل تم استمزاج رأي الأسرة الحاكمة في مثل هذه المطالب؟ وهل يعي الشباب أن بعض تلك المطالب تتقاطع مع صلاحيات سمو الأمير؟ وهل يحق لأي شاب أن يسأل عمّن يمثلونه وينوبون عنه من العناصر الشبابية، ولأي جهة ينتمون وما هي أدبياتهم ومنطلقاتهم الفكرية والسياسية؟ أم هي- الشباب- كلمة يجري استغلالها وتعويمها في أتون الصراخ وعلو الصوت لبيان تقارب الساحة الكويتية مع ساحات "ميدان التحرير" بمصر و"انتفاضة الياسمين" في تونس وشتان ما بين الحالتين. لا يحق لأحد، كائن من كان، أن يتكلم عن فئة الشباب وبتعدادهم الكبير نسبة إلى تعداد السكان العام ويرفع الشعارات غير المدروسة، وحتى من يتصدون اليوم للعمل الشبابي يجب أن يكونوا أكثر تواضعاً في الحديث عن قطاع الشباب بشكله الواسع، خصوصاً في ظل عدم وجود استفتاءات ومسوحات للرأي ترصد الآراء وتعرضها بتجرد. ولا يجوز لأي توجه أو تكتل أن يتحدث بما يسمى "هذا ما يريده الناس"، فهناك من لهم رأي ووجهة نظر مختلفة تماماً عمّا يُطرح في الساحة السياسية. الناس اليوم يشعرون بالخوف والهلع والملل مما يجري من الطامحين في الساحة السياسية، ومن العجز الحكومي الفاضح الذي يفتقد للقدرة على تعديل أوضاع مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية كنموذج بسيط وتافه مقارنة بتصحيح أمور أكبر. ليس لدي ما أضيفه سوى القول للشباب: خذوا حذركم من أن تكونوا حطباً لمرشحي مجلس الأمة، وأمامكم الكثير لكي تستطيعوا أن تشكلوا واجهة عريضة تضم العدد الأكبر منكم بشكل مستقل، وليس تابعاً لنواب أو تيار أو فئة، وبإمكانكم أن تشكلوا برلمانكم الخاص الذي تتعلمون منه وفيه فنون العمل السياسي كما يجب، وتناقشون فيه همومكم في التعليم والصحة والسكن والمشاركة السياسية استناداً إلى تراث أسس له رجال ونساء الكويت المخلصون على مدى عقود من الزمن... ودونكم الدستور فحافظوا عليه، ولا تختزلوا نشاطكم في العمل السياسي ولا ترهنوه بما يجري في مجلس الأمة، فأحلام الشباب تستوعب مفهوم التنمية المدنية بأشكالها الأوسع.
Ad