كنت أتساءل عما إذا كان باستطاعة مواقع التواصل الاجتماعي أن تصنع إعلاماً موازياً لذلك الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي، في صورته التقليدية، (قنوات تلفزة، وصحف يومية). شيئاً فشيئاً تدحرج الحلم، وبدأت موجة تغيير للواقع تكبر، ويعلو شأنها، حتى رأينا شخصيات سياسية، وإعلامية واجتماعية لا تضع أخبارها سوى على بوابات التواصل الاجتماعي "فيسبوك وتويتر". بالتأكيد ستستحب هاتان الشبكتان كل البساط من تحت أقدام الإعلام الرسمي، فالأمر ليس مكلفاً، ولا يحتاج أحدنا إلى مبالغ طائلة لإطلاق قناة تلفزيونية، أو طباعة صحيفة يومية، ما عليك سوى البقاء لبضع لحظات أمام شاشة الحاسوب، ومن ثم الحصول على الرمز الخاص بك، وإدراج صورك والمعلومات التي تريد لتصل إلى العالم أجمع.
قد يكون لإحجام أهل السياسة، والشخصيات الاجتماعية عن الإعلام التقليدي والتوجه إلى شبكات التواصل الاجتماعي علاقة بمساحة الحرية التي توفرها قنوات التواصل الاجتماعي، وكذلك صدقيّة الخبر المنقول، فليس لأحد أن يتدخل أو يحرّف صياغة الفكرة، أو يوجه الموقف بحسب أهوائه، إذ إن العبارة تنتقل بنصها، وكما يريد قائلها إلى الضفة الأخرى. فالإعلام التقليدي الموجه برأس المال أو بالموقف السياسي لم يعد جاذبا للعديد من الشخصيات، لا سيما تلك المستقلة، التي لا تفضل الانضواء تحت عباءة حزب، أو موقف إيديلوجي وسياسي مسبق، بل وحتى موقف اقتصادي، فالشركات تبدو وكأنها الموجه لكثير من القنوات والصحف. ولعل الطريف في الأمر أن الإعلام التقليدي بدأ يلجأ إلى مواقع التواصل الاجتماعي لاستقاء أخبار ومواقف النجوم وأهل السياسة والاقتصاد، بمعنى أن الموقف أصبح معاكساً، فهذه المواقع الاجتماعية هي أكثر رحابة وسعة، وهي ترفد الإعلام التقليدي بالعديد من المواد والأخبار، ولم يعد محرجاً أن تشير هذه الصحيفة أو تلك القناة إلى أحد مواقع التواصل كمصدر لخبر مهم، أو تصريح صحافي لا يمكن تجاهله أو السكوت عنه. ولكن ماذا عن الشأن الثقافي، وكيف تبدو علاقة أهل الثقافة والأدب، (الشعر والرواية، والنقد) من هذه المعمعة الإلكترونية، فهذا الفضاء المفتوح أفاد كثيرا السياسيين والباحثين عن الإصلاح الاجتماعي، ولم يعد خافياً الدور الذي قامت به شبكات التواصل الاجتماعي في اندلاع ثورات الربيع العربي، كان الأمر بادياً على استحياء في الثورة التونسية، ولكنه لم يلبث أن ظهر جلياً في الثورة المصرية، إذ ذكر العديد من التقارير، أن موقع "فيسبوك" ربما كان أحد أهم عوامل اندلاع ثورة الخامس من يناير، بل إن استمرار الثورة وتماسكها كان مرتهنا بالتواصل الإلكتروني عبر مجموعات شبابية لا هم لها سوى تحديد المكان مرتبطا بالشعار، والجمعة المناسبة للتظاهر والاعتصام، وكذلك فإن الثورة السورية تستقي قوّتها ومعلوماتها من مواقع التواصل الاجتماعي، وهذه المواقع رابط خفي بين من هم في داخل الوطن وخارجه. بالعودة إلى الثقافة، كنا لا نزال نطرح حتى وقت قريب ما إذا كانت المعلومة المستقاة من الشبكة العنكبوتية يمكن الاعتماد عليها، وإضافة ذلك الموقع كمرجع أساسي إلى قائمة مراجع البحث العلمي، وفي حال استقاء تلك المعلومة من كتاب مطروح على الشبكة الإلكترونية، فذلك أمر لا جدال عليه، لأن المعلومة أساسها "ورقية"، ولكن المشكلة تكمن في مقالات وأبحاث لا تُطرح إلا عبر الشبكة العنكبوتية في هذا الفضاء المتحرك، وكثير من الباحثين والمشرفين الأكاديميين يتحفظون على قبول هذا النوع من المعلومات، إذ يمكن أن نقرأ شيئاً مهماً هذا اليوم ولا نجده في صبيحة اليوم التالي، قد يكون للمجتمع الأكاديمي عذره، فهو يخضع لشروط عليمة دقيقة، ولكن هل استفاد الشعراء والروائيون من هذه التقنية؟ والفائدة لا تعدو كونها إيصال معلومة أو نص جميل إلى قارئ ما، الشعر باكتنازه، وكثافته اللغوية والمضمونية يبدو أكثر سعادة بهذه الثورة الإلكترونية، إذ إن تناقل النصوص عبر مواقع الإنترنت أكثر مقدرة على الصمود، في حين أن الروايات والدراسات النقدية المطوّلة تبدو صعبة ومرهقة للنظر، بل وحتى مملّة لمن يجلس أمام شاشة الحاسوب لفترات طويلة، لذا كان سهلاً جداً أن ينطلق موقع "جهات" الذي أطلقه الشاعر قاسم حداد بسرعة البرق، ويصبح منتدى عربياً شاملاً لجميع محبي الشعر وقرائه.
توابل - ثقافات
الإعلام الموازي
08-07-2012