الذين لاحقوا تغريدات الشباب والشابات السعوديين على "تويتر" طوال فترة عرض برنامجَي المواهب "عرب أيدول" و"عرب قات تالنت" لن يُصدَّق أنهم نفس الشباب الذين علقوا على حادثة "فتاة المناكير" مع رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. في الحادثة الأولى اجتهد الشباب والشابات السعوديون على "تويتر" في وضع "هاش تاق" خاص بالبرنامجَين يعلقون فيه على الأغاني والرقصات والمكياج والمجوهرات وصنع النكات على وجوه المشاركين ولجان التحكيم وثيابهم، حتى "ركبة" نجوى كرم حظيت بتعليق سعودي يتساءل: لمَ ليست سوداء مثل "ركب" السعوديات؟ أحد التويتريين في السعودية تمنى لو يستيقظ ذات صباح ويجد كارمن (الصوت المصري) في منزله تقول لأمه "صباح الخير يا خالتي". ظهرت كل أنواع الطرافة والرغبات، العنيف منها والرئيف في "تويتر"، وخاصة أثناء فترة عرض برنامج "عرب أيدول" في البدء ثم "عرب قات تالنت" تالياً، حتى تكاد أن تظن أن هذا الشعب غارق في الحداثة والترف والفن والمنافسات المواهبية، ولا يشغله سواها، حتى جاءت حادثة "فتاة المناكير"، وهي فتاة لا يتجاوز عمرها عشرين عاماً كانت تتجول في مركز تجاري حين فوجئت برجل من هيئة ال‍أمر بالمعروف يطلب منها الخروج من السوق، ثم سمعته يعلق على وضعها أصباغاً ملونة على أظافرها، فما كان منها إلا أن فتحت كاميرا جوالها الذكي (هكذا توصف الأجهزة وليس وصفي أنا) فصورت المشهد الذي دار بينهما في ثوانٍ، وسمعناها فيه تخبر رجل الهيئة -الذي يصر على طردها خارج السوق- أن كاميرا هاتفها تصور ما حدث، وأن المشهد صار الآن على موقع "تويتر" و"يوتيوب" ونصحته بأن يبستم للكاميرا. اشتهرت الفتاة غير المعروفة بين التويتيرين في الإعلام القديم والجديد بـ"فتاة المناكير"، وشاهد هذا المقطع 1.1 مليون مشاهد في العالم، وتم ترجمته إلى الإنكليزية، وعلقت عليه بعض الصحف الأجنبية. شباب "عرب أيدول" وشباب "قات تالنت" المرحين المحبين للجمال اختفوا وظهر بدلاً منهم شباب يهاجمون فتاة المناكير، ويدافعون عن الفضيلة والأخلاق والأدب، ظهر كُتّاب رأي شباب في صحف سعودية وصفوها بالفتاة "الملسونة" التي تجرأت على رجال الهيئة، الفتاة الصغيرة طلبت الشرطة كما يوضح المقطع واستعانت بهم، لكنهم أصروا على أن تسمع الكلام وتخرج، فنسمعها تقول: "أخاف أن أخرج ويلحقني هؤلاء ويصدمونني". حين تخاف فتاة من رجال يحملون شعار حمايتها فعلام يدل هذا؟ وماذا يعني أن يختفي المتغنون بركبة نجوى كرم، ولا يظهر إلا حماة الفضيلة التي هُتِكت بسبب صبغ على أظافر شابة مراهقة في سوق عام؟ إنها فضيلة الشخصية المزدوجة التي أصبحت ثقافتنا تقدسها بجدارة وتعشق أبطالها بجدارة وتجعل من الفضيلة ذات وجهين.
Ad