قلب بوصلة وآخر مجداف

نشر في 19-07-2012
آخر تحديث 19-07-2012 | 00:01
No Image Caption
 مسفر الدوسري القلوب المأزومة، التي تعتقد أنها كلما ازدادت صلفاً كانت أكثر جاذبية لقلوب أخرى، تلك قلوب تثير الشفقة، وليس أكثر منها إثارة للشفقة سوى تلك القلوب التي ينجح بالفعل معها ذلك، وتظل مشدودة مأسورة بمثل تلك القلوب.

قلوب تظن أن نورها يتجلّى من ظلمتها،

وزهر ربيعها ينبت من يباسها،

وجداولها تتفتّق من صخرها،

وسِحْر فِتنتِها يكون بمدى بشاعتها،

تتعمد إظهار قسوتها لتحكم سيطرتها،

وتبقى دائماً على علوّ كِبَرٍ من الآخر ومسافة خيلاء ليظلّ نظر الآخر دائماً شاخصاً إلى الأعلى يتبعه، إمعاناً في "تصغيره" و"تقزيمه"،

قلوب ترى أن من يحبها لابد أن يبقى حبّة رمل لكي تبقى هي قمرة في السماء،

ولابد أن يظلّ دودة تحبو على الأرض ليستفرد جناحها بالفضاء،

وأن يبقى سماداً لكي يعلو جذعها وتورق أغصانها،

تلك القلوب تؤمن بأن مركب الحب لا يتّسع سوى لقلبين: قلبٌ بوصلة هو قطعا القلب المأزوم، وقلب مجداف هو حتما ذلك القلب الذي يريد إرضاءه، يظل القلب المجداف يضرب صدر الماء بلا هوادة أو ملل، صعودا وهبوطا فاتحا دربا في اتجاه المرفأ الذي يشتهيه ذلك القلب المأزوم، الذي ليس له من عمل على صدر ذلك المركب سوى الإشارة!

وذلك القلب المجداف ليس مفروضاً به أن يسأل إلى أين، أو أن يعترض، أو حتى أن يتعب، كل ما عليه أن يستمر في الصعود والهبوط لخلق الطريق!

ولك أن تتخيّل إلى أيّ المرافئ يمكن أن يوصلك قلبٌ مأزوم!

قلبٌ يرى أن محبة الآخر له فرصة لا يجب تفويتها لاستغلال إنسانيته، ومشاعره المجدّلة بالمطر لإرضاء شهوة التملّك الشَّرِهة فيه،

الحب بالنسبة له طاقة القدر التي تُفتح لامتطاء ظهر عاطفة للوصول إلى منفعة لا يشاركه فيها سواه،

ذلك قلب تعيس، ولا يقل عنه تعاسة سوى ذلك القلب الذي ارتضى أن يصبح مطية للشيطان،

بساط يُداس ويرمى إذا ما أصبح بالياً، وشمعة تحترق لا لتضيء وإنما لتزيد قلباً آخر ظلاماً،

هذا القلب المجداف هو الذي يذكي شهوة البوصلة في القلب الآخر،

هو الذي يغذي جوهره البائس،

وينمي شجرتها الشيطانية لتمتد أغصانها فوق سطح الأرض بلا ظلال، وبلا ثمر ينتفع منه،

القلب المجداف... قلبٌ لا شخصية له، ولا طعم له، ولا رائحة، سوى رائحة الهوان والذل والانكسار،

هو قلب يجد نفسه ليس في مدى ما يملك من حرية وإنما في مدى ما يحسّ من عبودية تخفي ملامحه حدّ التلاشي،

يجد نفسه في مدى ما يُمارس عليه من قهر، وقسوة، وتعالٍ،

فكلما تخلّى قلبٌ عن إنسانيته بالتسلّط عليه، تخلى هو بدوره عن إنسانيته باتّباع ذلك القلب، وربط حباله الواهنة بحبال ذلك القلب الأكثر وهناً.

الرحمة فاتحة الحب... ولا تجوز صلاة بلا فاتحة،

والرحمة بين الحبيبين هي دليل عافية الحب بينهما، وطريق نجاتهما من نار الدنيا،

حتى أن الله لم يربط بين المودة التي هي أساس الحب بشيء سوى الرحمة، إذ قال: "وجعلنا بينهما مودة ورحمة".

back to top