لا يزال حزب الله قويا، ولكن مستواه المريح تراجع، ففي مايو 2008، أظهر هيمنته المحلية بالاستيلاء على العاصمة بيروت، وفي يناير 2011، أسقط حكومة سعد الحريري وثبت حكومة أخرى أكثر توافقاً مع أهوائه، ولكن في الأسابيع القليلة الماضية، انفجرت أجزاء من الشمال السني في تحد مسلح لحزب الله والحكومة التي يهيمن عليها، وأعلنت دعمها العلني للثوار السوريين.

Ad

قبل ثلاثة أعوام، أظهرت استطلاعات الرأي العام أن أكثر الزعماء شعبية في الشرق الأوسط كان زعيم حزب الله السيد حسن نصرالله، والرئيس السوري بشار الأسد، والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وكان الناس في ذلك الوقت يقدرون أن هؤلاء الزعماء يقفون في مواجهة إسرائيل في لبنان وغزة، ويصدون السياسات الأميركية العدوانية في المنطقة.

ومع الربيع العربي، تحول الرأي العام الإقليمي باتجاه إعطاء الأولوية للحقوق المدنية والإصلاح الديمقراطي على السياسة الخارجية، واليوم يُسَب الأسد بأقذع الشتائم، وحكومة أحمدي نجاد متهمة بقمع المتظاهرين المنادين بالديمقراطية، وأدين حزب الله وإيران بالاستمرار في دعم الأسد بينما يذبح أهل بلده. ونتيجة لهذا فإن حزب الله لم يعد الحركة التي تحظى بشعبية واسعة النطاق كما كانت ذات يوم في مختلف أنحاء العالمين العربي والإسلامي، ولكنه يظل يمثل قوة عالية الفعالية وثقيلة التسليح، وكما أشار ميكيافيلي قبل زمن بعيد، فإن الأمر الأكثر أهمية في عالم السياسة هو أن يخشاك الناس لا أن يحبوك.

لا شك أن حزب الله ما زال يحظى بالاحترام ولو على مضض لقدرته على الوقوف في وجه إسرائيل، ولكنه فقد هالته كصوت للمظلومين والمضطهدين، وكشف عن نفسه كحزب طائفي لا يتورع عن الوقوف في صف إيران وحلفائها ولو على حساب حقوق الإنسان وأرواح البشر في سورية المجاورة.

بيد أن قوة حزب الله الصارمة لم تتأثر حتى الآن بأحداث الربيع العربي أو التطورات في سورية، فهو لا يزال قادراً على نشر قواته في لبنان، ومحتفظاً بقدراته القتالية والآلاف من الصواريخ.

لقد شعر المنتمون إلى حزب الله بسعادة غامرة مع اندلاع الثورات الشعبية ضد الحكام المتحالفين مع الولايات المتحدة والغرب، فحتى العقيد معمر القذافي في ليبيا كان يعتبر عدواً لأنه أمر طبقاً لبعض المزاعم بقتل الزعيم الشيعي اللبناني موسى الصدر في عام 1978. وكان حزب الله فعلياً في حرب باردة مع نظام حسني مبارك في مصر منذ يناير 2009، عندما اتهم نصرالله حكومة مبارك بالتواطؤ مع إسرائيل في تدخلها في غزة، ودعا الشعب المصري إلى النزول إلى الشوارع بالملايين.

ولكن مع تقدم ثورات الربيع العربي، تبين أن الشعوب كانت تريد حكماً صالحاً وعدالة اجتماعية، ولم تكن مغرمة بإيران أو مهتمة بالانضمام إلى محور المقاومة، فضلاً عن ذلك، ومع صعود جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ابتعدت حركة حماس حليفة حزب الله سابقاً عنه وعن أنصاره في سورية وإيران، ووجدت لنفسها موطئ قدم جديداً في مصر والخليج.

ولكن خيبة أمل حزب الله تحولت إلى انزعاج شديد عندما تمرد السوريون على الأسد، فإذا سقط نظام الأسد فإن حزب الله يصبح عُرضة لخطر فقدان جسر الإمداد الذي يربطه بإيران، وقد يصبح غير قادر على التعويض عن هذه الخسارة بالاعتماد على الموانئ البحرية اللبنانية أو مطار بيروت، لسهولة اعتراض الطريق إلى كل هذه المنافذ بسهولة. وسوف يظل حزب الله محتفظاً بكامل قدرته على توجيه الضربة الأولى وضربات انتقامية، ولكنه كمثل النحلة قادر على توجيه ضربة واحدة فقط، ومن دون القدرة على إعادة تموين نفسه فإن حزب الله قد يخرج من أي حرب أخرى في المستقبل وقد ضعفت قوته إلى حد كبير.

وداخل لبنان ذاته، لا يزال حزب الله قويا، ولكن مستواه المريح تراجع، ففي مايو 2008، أظهر هيمنته المحلية بالاستيلاء على العاصمة بيروت، وفي يناير 2011، أسقط حكومة سعد الحريري وثبت حكومة أخرى أكثر توافقاً مع أهوائه، ولكن في الأسابيع القليلة الماضية، انفجرت أجزاء من الشمال السني في تحد مسلح لحزب الله والحكومة التي يهيمن عليها، وأعلنت دعمها العلني للثوار السوريين.

وتعمل هذه الجماعات السُنّية على تكوين جيب مسلح في شمال لبنان لموازنة سطوة الجيوب الشيعية المسلحة في بيروت، والجنوب، ومنطقة البقاع، كما اهتز حزب الله بعد اختطاف نحو عشرة من الشيعة اللبنانيين واحتجازهم حتى الآن- وبعضهم من المقربين لنصرالله- من قِبَل قوى معارضة في سورية.

ويواجه حزب الله الانتخابات البرلمانية في ربيع 2013، وإذا جاء أداء حليفه المسيحي، تيار ميشيل عون الوطني الحر، أو إذا أعاد زعيم الدروز الدائم التحول وليد جنبلاط حزبه الاشتراكي التقدمي إلى التحالف المناهض لسورية والذي كان جزءاً منه ذات يوم، فإن حزب الله سوف يخسر أغلبيته البرلمانية، وبالتالي قدرته على تشكيل الحكومات وإسقاطها، ولعل حزب الله، بعد أن توقع مواطن الضعف المحلية هذه، لجأ إلى تشجيع استئناف مناقشات الحوار الوطني والتي تضم جميع الطوائف الرئيسة في لبنان.

من الناحية الاستراتيجية يخشى حزب الله، إذا سقط الأسد وإذا خسر قدرته على إعادة تموين نفسه بسرعة وفعالية نتيجة لهذا، أن تنتهز إسرائيل الفرصة فتشن حرباً جديدة ضده، وفي ظل استمرار التوترات بين إسرائيل وإيران، راعية حزب الله، فإن هذا التخوف لا يمكن إغفاله، وحتى إذا كان حزب الله قادراً على التكيف مع الربيع العربي، فإنه يخشى الشتاء الذي قد يعقب ذلك مع إسرائيل.

* بول سالم ، مدير مركز كارنيغي الشرق الأوسط في بيروت.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»