أصدقاء الهند الأميركيون وشركاؤها الإيرانيون
في الآونة الأخيرة، قامت الولايات المتحدة برفع عبء العقوبات الإيرانية عن كاهل الهند: حيث أعفت الهند من الالتزام بالعقوبات المالية المتصلة بإيران في مقابل تخفيضات كبيرة في مشتريات الهند من النفط الإيراني، ولكن إيران تستمر رغم هذا في الإلقاء بظلها على العلاقات بين الولايات المتحدة والهند التي كانت ستصبح متألقة لولا ذلك.فمن منظور الهند، تُعَد إيران جارة مهمة لا تتحمل أن تقطع علاقاتها معها، والواقع أن الهند تبدو حبيسة جغرافياً بالفعل داخل قوس من الدول الفاشلة أو المختلة وظيفيا، الأمر الذي يضعها في مواجهة تهديدات خارجية من كل الاتجاهات تقريبا.
وإذا انضمت الهند إلى استراتيجية الولايات المتحدة الرامية إلى احتواء إيران، فسوف تضطر إلى تكبد تكاليف استراتيجية باهظة. فبادئ ذي بدء، ستخسر قدرتها على الوصول إلى أفغانستان عن طريق إيران، التي خدمت كقناة توصيل لتدفقات كبيرة من المساعدات الهندية إلى كابول. فضلاً عن ذلك فإن الاحتواء من شأنه أن يقوض مصالح الطاقة في الهند.إن قِلة من الدول تعتمد على إمدادات النفط والغاز من منطقة الخليج الفارسي بقدر ما تعتمد عليها الهند، التي تستورد نحو 80% من استهلاكها. وإيران ثالث أكبر دولة مصدرة صافية للنفط (فضلاً عن امتلاكها ثاني أكبر احتياطيات للغاز الطبيعي على مستوى العالم)، وهي عبارة عن بوابة ذات موقع استراتيجي للدول الأخرى الموردة للطاقة في آسيا الوسطى والشرق الأوسط.كانت العراق وإيران الموردين الرئيسيين للنفط إلى الهند، ولكن الأولى سقطت فريسة احتلال أميركي طويل، والثانية تواجه حالياً حظراً على صادراتها من النفط بقيادة الولايات المتحدة، وهو الحظر المصمم لخنقها ماليا. ونتيجة لهذا فإن الجهود الأميركية الرامية إلى إضفاء طابع دولي على قانونها الجديد لفرض العقوبات على إيران تشكل ضربة مزدوجة للهند.فهي أولاً تهدد بتخريب استراتيجية تنويع مصادر استيراد الطاقة في الهند من خلال جعلها تعتمد بشكل مفرط على ممالك النفط الممولة إسلاميا- بما في ذلك المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر- والتي تمكنت من الخروج سالمة من عواصف الربيع العربي. وثانيا، فرض المزيد من العزلة على إيران من شأنه أن يجعل من الصعب للغاية بالنسبة إلى الهند أن تلعب دوراً أكثر فعالية في أفغانستان في وقت حيث تتعجل الولايات المتحدة فك ارتباطها العسكري هناك وتسعى إلى إبرام صفقة مع طالبان.إن الهند، وهي واحدة من أكبر الجهات المانحة للمساعدات لأفغانستان، ليس لديها ممر إلى تلك الدولة ويتعين عليها أن تعتمد على إيران حتى يتسنى لها الوصول إليها. والبلدان يتقاسمان هدفاً مشتركاً في أفغانستان- ضمان عدم عودة حركة طالبان المدعومة من باكستان إلى السلطة. وإذا تدهور الموقف غير المستقر بالفعل هناك بعد نهاية العمليات القتالية التي تقودها الولايات المتحدة، فقد تضطر الهند وإيران إلى إحياء التعاون الاستراتيجي الذي كان بينهما في تسعينيات القرن العشرين. فقد كان التحالف الشمالي، مدعوماً من الهند وإيران وروسيا، هو الذي أطاح بنظام طالبان في كابول في أواخر عام 2001 بمساعدة الغارات الجوية الأميركية. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة اليوم فإن احتواء إيران تمليه اعتبارات جيوسياسية عديدة. الاعتبار الأول يتلخص في الاحتياج إلى تحييد الميزة الاستراتيجية التي اكتسبتها إيران من إطاحة الولايات المتحدة بنظام صدّام حسين في العراق المجاور، وهو التطور الذي ساعد في تمكين الأغلبية الشيعية في العراق. ولقد اعتبر الرئيس جورج دبليو بوش إيران جزءاً من "محور الشر"، ولكن القرار الذي اتخذه بغزو واحتلال العراق أفاد إيران ذات الأغلبية الشيعية في المقام الأول.فضلاً عن ذلك فإن الجغرافيا السياسية الإقليمية تحض "الهلال السُنّي" القوي، بزعامة تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، ضد دول "الهلال الشيعي" المحاصر- إيران والعراق وسورية ولبنان. ولقد استفادت الولايات المتحدة من تحالفها القديم مع الكتلة السُنّية، وبالإضافة إلى المزايا الاستراتيجية، فإن العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة وممالك شيوخ النفط- وهي من بين أكثر دول العالم احتفاظاً باحتياطيات النقد الأجنبي- تساهم في دعم الدولار.ومن هذا المنطلق، أصبح البرنامج النووي الإيراني يرمز إلى أشد التوترات الجيوسياسية الكامنة وراء المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران. والواقع أن القضية النووية خدمت في ترشيد المواجهة، حيث يلعب قادة إيران أمام جمهورهم المحلي من خلال تصعيد المشاعر القومية النووية، وتلعب الولايات المتحدة أمام الجمهور الدولي باللعب على أوتار تهديد الانتشار النووي.وينبغي للهند أن تسعى إلى لعب دور الوسيط النزيه لنزع فتيل التهديد بالقيام أعمال عدائية عسكرية، والتي من المرجح أن تغلق إن حدثت أهم طرق تصدير النفط، مضيق هرمز (وهو الخطر الذي أعلنت إيران ضمناً أنه وارد في حالة فرض حظر على صادراتها النفطية). ولكن بعيداً عن القدرة على الاضطلاع بدور باني الجسور بين الولايات المتحدة وإيران، فإن الهند مرغمة الآن على السير على حبل السياسة المشدود، ومن الواضح أن رغبتها في رسم مسار محايد لخطواتها أزعج الجانبين.في كل مرة يقوم وفد هندي رفيع المستوى بزيارة إيران، أو العكس، تحذر الولايات المتحدة الهند من أن تملقها لإيران من شأنه أن "يزيد من العقبات" أمام بناء علاقات استراتيجية أوثق. ورغم هذا فإن تصويت الهند ضد إيران في اجتماعات مجلس محافظي الهيئة الدولية للطاقة الذرية في عام 2005 ثم في عام 2006، دعا إيران إلى الانتقام بإلغاء اتفاقية الغاز الطبيعي المسال المواتية للغاية والتي بلغت قيمتها 22 مليار دولار على مدى 25 عاما.لقد تحولت قضية إيران في واقع الأمر على اختبار عسير للدبلوماسية: فهل تنجح الهند في الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية ومصالحها المتصلة بالطاقة في المنطقة، أم أنها سوف تُستغَل لخدمة المصالح القصيرة الأجل لصديقتها الولايات المتحدة؟ يتعين على الولايات المتحدة من جانبها أن توفق بين ضغوطها على الهند فيما يتصل بإيران، وهي الضغوط التي من المرجح أن تستمر على الرغم من التنازل عن التزام الهند بالعقوبات، وبين ضرورة بناء علاقات دفاعية أكثر عمقاً مع الهند، وبالتالي تعطي ثِقَلاً استراتيجياً لما اعتبرته "محور" آسيا.* براهما تشيلاني | Brahma Chellaney ، أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز أبحاث السياسات في نيودلهي، وزميل أكاديمية روبرت بوش في برلين، ومؤلف تسعة كتب، منها "الطاغوت الآسيوي"، و"المياه: ساحة المعركة الجديدة في آسيا"، و"المياه، والسلام، والحرب: مواجهة أزمة المياه العالمية".«بروجيكت سنديكيت، 2016»»بالاتفاق مع «الجريدة»