الإخوان والعسكر
![ناصر الظفيري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1497859964459581700/1497859964000/1280x960.jpg)
العدسة التي ينظر إليها هؤلاء الأصدقاء، رغم مكانتهم العلمية، هي عدسة تسمح لنا بالنظر إلى الصورة الأقرب، وليس بانوراما عامة للمشهد القادم. نعم هي قضية حرية لكن اختصارها في جزء من الثقافة يمثله الملبس أو الفن يجعلنا ندرك أن هؤلاء الأصدقاء ومثلهم كثر هم المشكلة أو نتاج للمشكلة. هم نتاج الثقافة الهشة التي حصرت كل مشاكلنا وتطلعاتنا نحو الحرية بمقاس فستان المرأة وطول كعبها وأجزاء الجسد المسموح برؤيتها منها للآخر القريب والغريب. هم محصلة الجدل الذي حاول التيار الديني التركيز عليه، ليقسم الناس إلى قسمين متناقضين: ملتزم ومنحل. وبكل تأكيد كسب الإخوان في المقارنة دون أن ينتبه الجميع إلى لعبة السياسة في كواليس هذا التقسيم. الذي لم ينتبه إليه الأصدقاء، وكثر مثلهم، هو الصراع الطويل والمرير بين التيار التنويري والتيار الديني منذ بداية النهضة العربية. وهو صراع في التعاطي مع الثورة الصناعية والفكرية في العالم الغربي، وموقفنا المتردي منها طوال القرن الماضي، وفشلنا في مواكبة ركبها ونجاحنا في تهجير عقولنا الفكرية والعلمية إلى مصدر هذه الحضارة بدلاً من التعامل معها لما فيه تطور بلداننا. يستطيع القارئ الاستدلال على ذلك ببحث بسيط عبر الإنترنت عن عدد الفائزين بجائزة نوبل لأفرع العلوم في إسرائيل، وليس اليهود في العالم، ومقارنتها برصيدنا منها. وأذكر هنا مشكلة فنية كانت تعانيها شركة نورتل العملاقة في كندا، فتعاقدت مع شركة إسرائيلية لحلها. أرسلت الشركة بعد توقيع العقد رجلاً واحداً وجهازاً واحداً ليحل المشكلة في زمن قياسي وسط ذهول جهابذة "نورتل".الذي علينا أن نخشى منه هو أن تزداد ردتنا الفكرية والعلمية، فبعد استيلاء السلطات الدكتاتورية على مقدرات بلداننا المحورية في مصر وسورية والعراق، وتحويلها إلى ثكنات عسكرية وإرسال بعثات خارجية لا يعود مبتعثوها المميزون إلى بلدانهم، سيأتي دور سلطة تهتم بالماضي وموروثه وتتجاهل حرية الإبداع والفكر لتخلق لنا جيلاً عاشقاً لهذا الماضي بجوانبه السلبية، جيلاً يعمل على بناء حواجز أخرى تفصلنا عن الحضارة العالمية تحت رداء موروثنا الديني كما يفهمه.علينا أن نتقدم بالاعتذار إلى جميع مفكرينا التنويريين في العالم العربي الذين خسروا الصراع أمام التيار الديني، بسبب جهلنا وتخلفنا، ونحن نرى اليوم أن حريتنا التي كانت تحت العسكر يتقاسمها اليوم رجل الدين والعسكر. يتولى الأول مسؤولية التربية والتعليم والإعلام، ويتولى الثاني أمننا ودفاعنا. أما النتائج فسترونها قريباً.