عندما يتحدث بعض المسؤولين الأكراد في إقليم كردستان العراق عن أن الإيرانيين هددوا باستخدام القوة العسكرية ضد هذا الإقليم إن تواصلت عملية إسقاط رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وعندما يتحدث حتى مقتدى الصدر الذي هو أبرز قادة شيعة العراق عن تدخل إيراني بهذا الخصوص في شؤون بلاده فهذا يظهر كم أن إيران غدت مسيطرة على هذا البلد العربي وكم أن قادته المناوئين والرافضين لمثل هذا التدخل يواجهون ضغوطات جدية من قبل الوليِّ الفقيه ودولته. وبخصوص معركة إسقاط نوري المالكي التي لا تزال متواصلة ومحتدمة وتتخذ هذا البعد الإقليمي الخطير جداً فإن هناك معلومات تشير مصادرها الى حقيقة أن قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني تعامل مع أعضاء برلمان العراق الذين أرسلوا "تواقيعهم" مرفقة بطلب سحب الثقة من رئيس الوزراء، المتهم بالاستبداد والهيمنة على أهم المواقف الرئيسية والسيادية، إلى رئيس الجمهورية جلال الطالباني، على أساس أنه، أي سليماني، الحاكم بأمره وأنه صاحب النفوذ الفعلي في هذا البلد وأنه عندما يجدُّ الجد لا يوجد أيُّ قرار إلا قراره. وهذا يجب أن يُفهِمَ الذين مازالوا لم يستوعبوا ما الذي تسعى إليه إيران (الفارسية) وليس الشيعية في هذه المنطقة، ولم يدركوا معنى خطورة كل هذه التدخلات الإيرانية السافرة في دول الخليج العربي كلها، ومعنى أن يواصل الإيرانيون منذ عام 1980 عمليات إقامة رؤوس جسورٍ لهم في الشرق الأوسط (العربي) كله على غرار دويلة حزب الله التي غدت أكبر من الدولة اللبنانية. إن هذه الأمور لم تعد خافية إلا على من يُصرّ على إخفاء عين الشمس بغربال أو من وصل به العجز والاستسلام حدَّ تكذيب ما تراه عيناه وحدَّ عدم الاعتراف بالحقيقة حتى لا يضطر الى إدانة ذاته، وهنا فإن درس العراق هذا يجب أن يؤخذ بمنتهى الجدية، ويجب أن يُفهم منه أن إيران عندما دخلت المعركة السورية المحتدمة الآن منذ اللحظة الأولى فلأن عينها على الإقليم كله، ولأن انتصار بشار الأسد على "شعبه"! هو انتصار لمشروعها الشرق أوسطي كله، ولأن سقوطه سيكون سقوطاً مدوياً لهذا المشروع. ولهذا يجب أن يكون معروفاً، للذين يحاولون الاختباء وراء أصابع أيديهم حتى لا يروا حقيقة أبعاد هذا الذي يجري في سورية وللذين يحاولون الضحك على أنفسهم من خلال اللجوء الى المساحات الرمادية هروباً من استحقاقات تحديد المواقف بلا مواربة ولا تملص، أن فوز هذا النظام السوري الذي كان ولا يزال وسيبقى، إنْ هو بقي، أحد بيادق الوليِّ الفقيه المتقدمة، سيجعل تعامل إيران مع كل دول هذه المنطقة أسوأ كثيراً مما تتعامل به مع العراقيين الذين باتوا يشعرون بغالبيتهم أن دولتهم محتلة وأن هناك احتلالاً صفوياً جديداً يحاول أصحابه مده إلى الشرق الأوسط العربي كله. وعلى الذين يحاولون الاختباء في المساحات الرمادية هروباً من مواجهة حقائق يتحاشون الاعتراف بها أن يعلموا أن فوز نظام بشار الأسد بهذه المواجهة المحتدمة الآن في سورية، وهو لن يفوز، يعني فوز إيران ويعني فوز المشروع الإيراني الشرق أوسطي ويعني أن المنطقة كلها ستدخل عصراً جديداً هو العصر الفارسي المتجدد، ولهذا فإن الهروب من تحديد المواقف بالنسبة إلى هذه المعركة الحاسمة هو استسلام لإرادة الولي الفقيه الذي، ومع كل التقدير لعمامته السوداء، بات يوظف هذا الموقع الهام الذي يحتله لمعادلات ما قبل بزوغ شمس الرسالة الإسلامية العظيمة.
Ad