نواب الأغلبية يطالبون بوجود رئيس وزراء شعبي زاعمين أن ذلك لا يتعارض مع مواد الدستور، ولا ينتقص من أسرة الحكم، وأن الأمر مجرد مشاركة في الحكم وإصلاح للوضع السياسي الناتج عن سوء الإدارة الحكومية، وعدم وجود الرجل المناسب في المكان المناسب! وإنه إذا ما حدث وتولى رجل مناسب من عامة الشعب رئاسة الوزراء فستنتهي المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويتحول الخصام المتبادل بين الحكومة والمجلس إلى محبة ووئام، ونرى النواب يتبادلون القبلات والأحضان بدل "البصقات" والشتائم! والجماعة يؤمنون بواقعية تطبيق هذا الأمر لحكمتهم ورؤيتهم المستقبلية الثاقبة، فهم أنفسهم من وعدنا بالمستقبل الجميل حين طالبوا بفصل ولاية العهد وتقليص الدوائر الانتخابية كحل أمثل للقضاء على الفساد السياسي، فهل ترون أي فساد سياسي لدينا اليوم؟! شخصيا، أتفهم التذمر والإحباط الحاصلين من أداء كل حكوماتنا في السنوات الأخيرة، فهو دون مستوى الطموح ومخيب للآمال بدرجة كبيرة، ولذلك، صارت الرغبة في التغيير ضرورة عند الجميع، البعض يريد تغيير الأشخاص وآخرون يريدون تغيير النهج والأسلوب، والحق أنني لا ألوم أحداً، فالوضع يزداد سوءاً، ولابد من تحرك سريع لإصلاحه، لكن، هل الحل يكمن حقا في سحب منصب محتكر منذ نشأة الدولة في الأسرة الحاكمة وتسليمه إلى عامة الشعب؟ هل الخلل الذي نعايشه اليوم سببه فقط أسرة الحكم أم يشترك فيه كثير من الأطراف من عامة الشعب؟ وهل سياسات التنفيع والمحاصصة والمحاباة والفساد بكل أشكاله التي اتسمت بها الحكومات الأخيرة نابعة من علة حكومية أم انعكاس لعلة شعبية؟! رئيس وزراء شعبي إذن! حسنا، فلنتخيل كيف ستسير الأمور كما يتمنى القوم: ستجرى انتخابات عامة ليكون الفائز على الأرجح قبليا أو إسلاميا، إن كان  قبليا، فقياسا على ما يقوم به النواب والوزراء القبليون سيتم تدليع أبناء قبيلة الرئيس لتكون لهم الأولوية في المناصب والترقيات والمكافآت والتوصيات والعلاج في الخارج على حساب باقي المواطنين، ولا تقولوا لي إنه لن يفعل، سيفعل كل هذا وأكثر رغبة في الاستمرار بالمنصب، وردا لدين أبناء العم الذين أوصلوه! أما إن كان إسلاميا فالكارثة أدهى وأمرّ، لأن الكويت المدنية ستتحول إلى دولة دينية يسعي فيها الرئيس إلى تطبيق الشريعة حسب فهم الجماعة التي ينتمي إليها دون أي اعتبار لفهم الآخرين، وقد رأينا الدولة الدينية تطل برأسها بمجرد وجود أغلبية نيابية متشددة، فما بالك ورئيس الوزراء تابع لهم؟! لو حدث ذلك فسنخسر كل مكاسبنا المدنية وقبلها إنسانيتنا، وسيتحول دستورنا الجميل بنفوذ رئيسنا المتدين إلى سلاسل وأغلال تلفنا من كل جانب، لنندم وقت لا ينفع الندم! الغريب أن الجماعة يطالبون برئيس وزراء شعبي منتخب، وهم يعلمون تماما أننا فشلنا في كل انتخابات تقام، وأننا دوما نختار الأسوأ، لأن مقاييس الانتخاب عندنا هي القبلية والطائفية والفئوية، بل العنصرية في الآونة الأخيرة! فإن كنا غير قادرين على اختيار أفضل المرشحين لعضوية الجمعيات التعاونية والأندية الرياضية ونقابات العمال وعضوية مجلس الأمة، فكيف سيكون اختيارنا برأيكم لرئاسة الوزراء؟! إن كان فشل الحكومات المتعاقبة عذرا أو مبررا للمطالبة برئيس شعبي فالفشل في واقع الأمر يتحمله الجميع، وإلقاء كامل المسؤولية على عاتق رئيس الوزراء وحده هو تملص من المسؤولية، وتعلق بوهم ساذج هو أن العلة في "صباحية" المنصب لا في أن المنظومة بأسرها "شعبا ومجلسا وحكومة" بحاجة إلى الإصلاح، فرئيس الوزراء جزء من المشكلة ليس إلا، وليس المشكلة بأسرها. فلنهدأ ولنركد قليلا بعيدا عن الحماس والتهور غير المحمودين، فمهما كان ما يجري اليوم سيئا، فالقادم أسوأ إن فتحنا على أنفسنا أبواب الفتن القبلية والطائفية والفئوية، وليس هناك من بوابة تدخل منها هذه الفتن كبوابة رئاسة الحكومة!
Ad