الأدب والفن المبدعان اللذان يعبران عن الحقيقة كأنصع وأصدق ما تكون، هما السجل الأبقى لأي وطن ولأي أمة، وهما الحافظ القادر على تقديم أوجه الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها لأي مجتمع من المجتمعات، وهما توثيق باق في وجه العاديات.

Ad

حين انبرى الشيخ عبدالعزيز الرشيد، عام 1926 لكتابة مؤلفه الأهم "تاريخ الكويت" فهو بذلك لم يكن ليخطّ كتاباً عابراً في وجه الزمن، بل كان يدوّن ويحفظ تاريخ مجتمع بأكمله، وكذا هي أعمال كل من جاؤوا من بعده مؤرخين وكتّابا، كأحمد البشر الرومي، وخالد سعود الزيد، وعبدالله الحاتم، وسيف مرزوق الشملان، ومحمد حسن عبدالله، ود. يعقوب الغنيم، ود. خليفة الوقيان، ود. سليمان الشطي، ود. يعقوب الحجي، ود. عبدالمالك التميمي،

ود. فلاح المديريس. كل هؤلاء وغيرهم كثير حفظوا للأمة وجهاً مشرقاً من وجوه حياتها، وسطروا وثيقةً وحرفاً يأبيان على المحو.

ولأن عجلة الزمن تبقى دائرة، ولأن الجهد البشري يأخذ أشكالاً متعددة، فإن طرائق التوثيق تتغير ولكنه الإبداع وحده يبقى عنواناً بارزاً لها. (رؤيا مصغرة لوطن عظيم، بعيون عاشق له) عنوان كتاب للمصور هاني إبراهيم المواش. وإذا كانت الصورة الأولى للكتاب تظهر هاني حاملاً كاميرا تصويره على كتفه وكأنها مدفع رشاش، فإن دلالة هذه الصورة الأعمق تقول بأن هاني المواش، جعل من الكاميرا سلاحاً إبداعياً لدربه، وأنه ارتضى لنفسه أن تكون الصورة وسيلة وصله مع الآخر.

اتخذ هاني المواش الصورة المجردة لتكون كلمته وصوته ورسالته إلى الآخر. وأراد أن تكون جميع صور كتابه، (248 صفحة ملونة من القطع المتوسط - 28.5×24 سم) تدور حول عوالم الكويت وحدها. وما يلفت النظر في الكتاب، هو إصرار المواش على أن تكون الصورة وحدها هي الحاضر، دون أي تعليق أو عنوان، وكأنه قصد بذلك إتاحة الفرصة لمتصفح الكتاب أن يختار عنوانه الخاص لكل صورة، بعيداً عن التأثير المباشر الذي قد يسوقه العنوان.

الكتاب سجل مبدع وملون وجميل لعوالم الكويت، بمختلف بيئاتها، البرية والبحرية والاجتماعية والعمرانية والحيوانية. وهو يهمس بشكل غير مباشر في قلب ووعي متصفحيه بغنى وجمال هذه البيئة وتنوعها وانطوائها على أماكن وحيوات لا يتاح لكل منا رؤيتها أو التوصل إليها ومعايشة عوالمها. فهاني يقدم لقطات بكر مبدعة لعوالم يصعب أحياناً التصديق بأنها في الكويت، وبما يدلّ على جهدٍ وهمة حقيقيتين لتوثيق تلك الحيوات، وجعلها متاحة للمتلقي، بشكل فني مدروس يجعل من الكتاب رحلة ممتعة في الوطن الصغير بمساحته الجغرافية والكبير في قلوب عشاقه ومحبيه.

انصراف هاني المواش ومجموعة أخرى من عشاق التصوير في الكويت لممارسة هواية التصوير بطرائق متطورة ومبدعة، ومن ثم تجميع واختيار مجموعة من تلك الصور وطباعتها في كتاب لهي مهمة كبيرة وصعبة، خاصة وأن الطباعة تتطلب جهداً ومتابعة لا تقلان عن التقاط الصورة نفسها، وهي في الآن نفسه تحتاج تكلفةً ماليةً عالية، لا تتوفر لأي شخص. وبالتالي تتطلب دعماً مادياً سخياً من جهة أو أشخاص يؤمنون بدور الثقافة والفن، وقادرين على مدّ يد العون للمبدع كي يخرج بعمله إلى المتلقي.

أوصاف كثيرة تُطلق على اللحظة الماثلة التي يعيشها العالم، ولكن عبارة "عصر الصورة" ربما تكون الأصدق في تمثيل اللحظة الإنسانية الكونية العابرة، ففي زمن الفضاء المفتوح، ومواقع الانترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي، ليس أقوى من قدرة الصورة على الوصول للآخر ومخاطبته ومصادقته والتأثير عليه.

تحية محبة وتقدير للمصور المبدع هاني المواش، فكتابه مبعث دهشة بصوره النادرة عن مختلف بيئات الكويت.