البحث عن المعنى
![حسن العيسى](https://www.aljarida.com/uploads/authors/25_1682522445.jpg)
يبدأ الطبيب فكتور بتشريح النفس البشرية، فعنده الحياة ليست بلا معنى مهما كانت قسوة الظروف، وتحت وطأة العذاب في المعسكر تهمش بل وتتلاشى الضرورات الإنسانية، فالجنس ليس له مكان، فغريزة البٍقاء تظل هي المهيمنة، وحتى تبقى وتتحدى الواقع المر، لابد من الأمل، والأمل هو الحب والإيمان بغد أفضل. السجناء الذين فقدوا هذا تهاووا بسرعة واستسلموا للموت، بينما ظل فكتور يقاوم بالعمل بمساعدة وعلاج المرَضى نفسياً وجسدياً بالمعتقل وسلاحه حلمه بأن يلقى زوجته يوماً ما. بعد التحرير، وضع فكتور أسس علم نفس العلاج بالأمل والعمل لكسر تمحور الإنسان حول ذاته، أسماه logo therapy، فهناك دائماً معنى للوجود الإنساني، وبهذا يقف فكتور على طرف نقيض من الفلسفات العدمية، التي لا ترى أي معنى في الوجود، وأن وجودنا هو صدفة القدر، والحياة مجرد عبث لا معنى له. "اللوغو ثرابي" ينبش معنى الوجود في النفس الإنسانية ويحرك الصراع الدائم في الذات البشرية لإقامة التوازن فيها وليس تركها لتحطم ذاتها. الفراغ هو كارثة تصيب النفس الإنسانية، ويذكرنا فكتور بمرض الأحد العصبي sunday neurosis في الولايات المتحدة. حين يكون الفراغ والبطالة من نتائج أيام العطل (ملاحظة لم يدر فكتور عن حالتنا بالكويت)، هذا الفراغ الروحي يسبب الاكتئاب والملل النفسيين، وهنا ندخل بالدائرة المفرغة بالعلاج عن طريق المخدرات والمسكنات النفسية، أو حين يترصد الفارغون لأحاديث مثل: ماذا يفعل فلان؟ وماذا قالت فلانة؟ كما هو الحال عندنا، بينما لب المرض يكمن في عمق الذات، اسمه الفراغ الوجودي existential vacuum، هذا الخلاء الوجودي يولد العدوانية وإدمان المخدرات، ويمضي فكتور مقرراً أن للإنسان مهمة في هذه الدنيا وعليه أن يحققها حسب ظروفه، فلا مكان لافتراض الشروط التي يتوهم البشر أنها تحد من قدراتهم الذاتية، وإنما هي القرارات الحاسمة هي التي يعول عليها.عاش فكتور طويلاً ودرس بالجامعات الأميركية ومارس العلاج النفسي حتى أيامه الأخيرة وتوفي عام 1997 تاركاً لنا، مهما اختلف معه الكثيرون في معنى الوجود، فكراً حياً يزودنا بالأمل ومعنى التضحية وحب الإنسانية.عنوان الكتاب "بحث الإنسان عن المعنىman' s search for meaning