"بين المر والأكثر مرارة... بين استبدادين وكابوسين ونارين" هذا ما يردده الكثير من المصريين بعد إعلان نتائج المرشحين لانتخابات الإعادة بين شفيق ومرسي. ففوز الأول يعتبر فشلاً للثورة و"دوساً على دماء الشهداء" بإعادة إنتاج النظام السابق، وفوز الثاني هو الإتيان بفاشية دينية تحل محل استبداد النظام القديم. الشارع المصري يعيش حالة من الصدمة والإحباط والتوتر من نتائج انتخابات الجولة الأولى، فانحصار الخيار بين الدولة العسكرية والدولة الدينية يعني بالنسبة للكثيرين أن ثورتهم ذهبت هباء منثوراً. نتائج الانتخابات تدل على أن أغلبية الشعب لا تريد مرسي أو شفيق إلا أن تشرذم وانعدام تنظيم القوى المدنية والثوار وانقسامهم الأيديولوجي فتت الأصوات بين المرشحين (وهي حوالي 9 ملايين صوت)، بينما لم يحصل شفيق أو مرسي إلا على 25 في المئة من أصوات الناخبين. تمكن الإخوان والنظام القديم من الوصول إلى جولة الإعادة عبر الآلة التنظيمية الجبارة التي يمتلكها كلا الفريقين المتنافسين وخبرتهما في الساحة السياسية لعشرات السنين... وقد كان للإخوان دور كبير في الوصول إلى هذه النتيجة الكارثية بسبب غرورهم وانتهازيتهم ومحاولتهم خطف وقطف ثمار ثورة الشباب الذين ركبوا على ظهورهم، فلعبوا دور الغالب لا الشريك، في وقوفهم ضد إشراك أطياف المجتمع في صياغة دستور جديد قبل الانتخابات، وحين أصبحوا حزب الأغلبية البرلمانية أمعنوا في الإقصاء في سعيهم لكتابة الدستور وتفصيله على قياسهم لولا حكم المحكمة الدستورية، حتى وصل الأمر بسبب إقصائهم وانتهازيتهم إلى هذه الفوضى السياسية بسبب غياب دستور ينظم العملية السياسية ويحدد صلاحيات البرلمان والرئيس والجيش، ليخسر الإخوان رغم المكينة التنظيمية في معركة الرئاسة الملايين من الأصوات التي ذهبت لهم في الانتخابات البرلمانية، ويصبحوا في مواجهة مع مرشح الثورة المضادة بسبب أدائهم السيئ في البرلمان ومحاولتهم احتكار جميع مؤسسات الدولة وعقدهم الصفقات مع المجلس العسكري وسلبيتهم تجاه التظاهرات السلمية وما حدث فيها من مجازر... ووسط هذا المناخ المنفلت من عقاله، تقدم شفيق مدعوماً من العسكر وحزب الفلول ورجال أعماله وآلته الإعلامية، مستغلاً الانفلات الأمني والنزعات الطائفية التي كان النظام السابق يلعب على أوتارها، مستفيداً من حالة الهلع والفزع لبعض الأقباط والأقليات وخوفهم على حرياتهم ليروج لنفسه كنموذج للرجل القوي الذي سيعيد الأمن خلال 24 ساعة من توليه الرئاسة، والرجل الذي سيحجم من سيطرة الإخوان ومشروع دولتهم الدينية. لقد أخفق حزب الحرية والعدالة (الإخوان) في استيعاب ضرورة الإشراك والتوافق مع القوى الأخرى، لأنه أراد أن يستأثر بالثمار التي اختطفها من أصحابها، وهاهو اليوم بعد أن أصبح مصيره معلقاً بيد القوى المدنية والثوار يستجدي دعمهم ويدعوهم إلى الوفاق لكي يصبوا عليه أصواتهم... ليردد ما تغنت به وردة "باقول لكو ايه... ما تيجوا بينا ننسى اللي كان... ننسى سوا غدر الزمان... اسمعوني... ايه رأيكم؟ بتقولوا ايه؟"... وهاهي القوى الوطنية المدنية تقوم بمسؤوليتها التاريخية لإنقاذ الثورة المهدورة والدماء المهدورة والوطن المهدور بوضع وثيقة بالمطالب والضمانات رغم صعوبة الموقف، لتضمن عدم خذلان جماعة الإخوان كعهدهم، وهدف تلك المطالب هو خلق تيار وطني وفاقي ينتمى إليه الجميع لا يحتكر أو يختزل الوطن، ويعمل من "أجل أهداف الثورة وما خرج الناس من أجله"، من خلال اشتراطات عدة تضمن تشكيل جمعية تأسيسية للدستور ممثلة من جميع أطياف المجتمع، وتشكيل المؤسسة الرئاسية من رئيس الجمهورية ونائبين لهم صلاحيات محددة مسبقاً من الشخصيات الوطنية محل القبول (كصباحي وأبوالفتوح)، وتشكيل حكومة ائتلافية ممثلة لأطياف المجتمع... وغيرها من المطالب لضمان قيام مجتمع ديمقراطي حقيقي... حتى لا يأتي الإخوان يوماً يرددون مع وردة أنا "ما اعرفوش، ماقبلتوش، ماشفتوش"... وحتى لا تعض القوى المدنية أصابع الندم مرددة "ابتلينا واتنسينا وانتهينا... بس طول ماهو جاي بكره... ربنا يعوض علينا... يعوض الله يعوض الله يعوض الله".
Ad