لقد تغيرت قواعد اللعبة السياسية بالكامل، وأغلب الخصوم تحصنوا بالسلاح الفتاك وهو الإعلام المرئي، وصوت التيار الوطني الديمقراطي ما زال ينتظر «فضلة» قنوات خلقت بالأساس لضرب خصومها وتعظيم أرباح ملاكها، حتى تمنحه ربع دقيقة من وقتها في حين تبث ندوات كاملة بكل تفاصليها لمن له الحظوة.
ألو... ألو... الدنيا مقلوبة...، عذرا الرقم الذي طلبته مقطوع عن الخدمة مؤقتا... إذاً من أكلم؟ كلم نفسك أو اخطب من مكان مرتفع فقد يصل صوتك.في "الزمانات" وتحديدا في انتخابات 1981 تساقط مرشحو القوى والتنظيمات الوطنية مثل أوراق الخريف، بعد أن نجحت السلطة "منفردة" في تفتيت الدوائر الانتخابية وصنع "مخلص معاملات" بدرجة نائب قادر على حفظ وتذكر كل ناخبيه، المجاميع الوطنية يومها لم تترك الساحة لخصومها، بل واصلت عملها في بيئة صعبة مليئة بالتنفيع والسطحية وسطوة الأطروحات الطائفية، بعدها بأربع سنوات "تشبع" فيها الناخب من مجلس لا طعم فيه ولا رائحة إلا من بعض حبات الهيل وخيوط الزعفران، أتى مجلس 1985 بتمثيل غير مسبوق لمجموعة من النواب "المخلصين" ومعهم عدد مشهود من ممثلي التيار الوطني الديمقراطي.اليوم يعيش التيار الوطني الديمقراطي حالة من انعدام الوزن غير مرتبطة بخسارة مرشحيه في الانتخابات الأخيرة "المبطلة"، ولا حتى في تسجيل المواقف من القضايا المطروحة على الساحة، ولكنها حالة تمثلت في عدم وصول مواقف القوى السياسية الممثلة لذلك التيار إلى عين وأذن المواطن العادي، الأمر الذي تلمسته عن قرب منذ بداية العمل بنظام الدوائر الخمس عام 2008 وبدأت في قولبته إعلامياً وسياسياً.التيار الوطني الديمقراطي لا يعاني قلة في القيادات الشبابية أو على مستوى خطابه السياسي، نعم هو يعاني سوء الإدارة أحيانا وسوء القراءة للمعطيات الجديدة أحيانا أخرى، ولكن ما الجديد؟ أغلب الحركات السياسية تمر بمثل هذه الظروف، وبعضها مثل "حدس" وصل عدد ممثليها في البرلمان إلى ستة ثم تناقص إلى ثلاثة ثم إلى واحد، ثم عاد إلى الارتفاع من جديد، والعبرة في المراجعة والتصحيح في الوقت المناسب.ما يعانيه التيار الوطني الآن هو افتقاره "للناقل" الحيوي لأطروحاته وأفكاره التي تعطي للمواطن خياراً ثالثاً ورابعاً وأكثر، غير حالة الجنون والتشنج التي نعيشها بين فريقين (حكومة ومعارضة) متناحرين ملوثين بتاريخ مشهود في انتهاك الدستور وإقصاء كل ما هو مختلف عنهما، أيا كان ذلك الاختلاف.وأعني بالناقل الحيوي دون الخوض في تفاصيل لن تسعها مساحة المقال، قناة تلفزيونية تنتهج فكراً مدنياً مستنيراً وتفسح المجال للأفكار المعتدلة والأخبار القادمة من الطرف "المغيب" لكي تأخذ نصيبها من الانتشار.بصريح العبارة لن يستطيع التيار الوطني الديمقراطي الخروج من الدائرة الضيقة التي يعمل فيها، وهي بالمناسبة تزداد ضيقا وشراسة ما لم يستطع كسر الإطار التقليدي الذي يعمل فيه، فالواقع الجديد الذي فرضته الدوائر الانتخابية الكبيرة أوجد معطيات يصعب التعامل معها بأدوات زمن الآلة الكاتبة مثل كثرة الناخبين، وعدم مرونة الوصول إلى العنصر النسائي، وانتشار وسائل الإعلام الرقمي، وما تحمله من إشاعات وأخبار كاذبة يتوجب الرد عليها بأسرع وقت.لقد تغيرت قواعد اللعبة السياسية بالكامل، وأغلب الخصوم تحصنوا بالسلاح الفتاك وهو الإعلام المرئي، وصوت التيار الوطني الديمقراطي ما زال ينتظر "فضلة" قنوات خلقت بالأساس لضرب خصومها وتعظيم أرباح ملاكها، حتى تمنحه ربع دقيقة من وقتها في حين تبث ندوات كاملة بكل تفاصليها لمن له الحظوة، أو أدرك أن الإعلام المرئي قادر على توصيل نواب إلى البرلمان دون افتتاح مقر انتخابي أو حتى زيارة الدواوين!
مقالات
الأغلبية الصامتة: التيار الوطني... الحرارة مقطوعة
23-08-2012