تبدو الدلالة واضحة في اختيار الكاتبة حنان السعيد لعبارة "ترويها الزين" لتتصدر صفحة غلاف رواية "فضة وشاهين" الصادرة عن "مكتبة آفاق" بطبعتها الأولى 2012، فالعبارة تتضمن بشكل واضح دور المؤلفة الشابة حنان السعيد بأن تكون راوية لحكاية ما، لكن، القارئ، يرى بوضوح وجود أكثر من راوٍ داخل ثنايا العمل، ووجود أكثر من صوت يخاطب القارئ، فهناك صوت الراوي العليم الذي يتولى قصّ معظم فصول الحكاية، وهناك حضور حنان السعيد المباشر بقصائدها بتوقيع الزين، وهناك في أماكن أخرى من الرواية حضور أصوات شخصيات من الرواية وهي تخاطب القارئ مباشرة وتقصّ عليه أحداث الحكاية.

Ad

كنتُ ولم أزل طوال السنوات الماضية في بحث ووصل مباشر مع النتاج الإبداعي الشبابي على الساحة الكويتية، وتحديداً في القصة القصيرة والرواية، وكنتُ دائماً مشجعاً لأي صوت أرى أنه ينطوي على شيء من موهبة تؤهله لأخذ مكان ومكانة في القادم من الأيام، ومن هذا المنطلق أشير، إلى أن أهم ما يلفت النظر في "فضة وشاهين" هو ميلاد كاتبة كويتية شابة معجونة بالتراث الكويتي، وقادرة على الخوض في دروبه. وإذا كانت "فضة وشاهين" تنطوي على هنات العمل الأول التي يندر أن ينجو كاتب منها، فإنها أي الرواية، تشير بما لا يدع مجالاً للشك إلى تمكّن حنان السعيد من مادة حكايتها، وقدرتها على تحريك شخوصها بشكل مدروس، ولو أن العنصر الأصعب في الرواية، برأي صاحب نوبل غارسيا ماركيز، وأعني بذلك علاقة زمن القص بأزمان الحكاية، وعلاقتهما بزمن القراءة يبدو مختلاً، فإن الملاحظة الثانية المهمة، هو كتابة الرواية باللهجة الكويتية، مما يقف سداً منيعاً أمام تمتع القارئ العربي بأجوائها. لكن، العمل يشير بوضوح إلى وجود نبتة مزهرة يلزم رعايتها وسقايتها وصقل عالمها، وحينها سيكون الثمر إبداعاً كويتياً نفخر به.

"كان بالأمس" (معاناة الوصول للرّشاقة والتكييف مع مرض التصلب العصبي) عنوان كتاب الشاب بدر العليان الصادر عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" بطبعته الأولى 2012. الذي جاء ممتعاً ومشوقاً. فبدر لا يكتب رواية، بل يكتب سيرة حياة حقيقية عبر انتقاله من حالة سمنة مفرطة وصلت به لأن يكون وزنه (240 كيلوغراما) إلى جهد خرافي ومعاناة قاسية، له ولأفراد أسرته وأصدقائه ومحبيه، للوصل إلى حلم الرشاقة ومعانقة عيناه لرقمين على مؤشر الميزان (99 كيلوغراما).

الكتاب رحلة كاشفة في عالم الإرادة والعزيمة، وهو إلى جانب ذلك يقدم صورة دالة للحالة النفسية والمعاناة المؤلمة التي تعيشها مجموعة كبيرة من البشر، في أي مكان في العالم، نتيجة سمنتهم المفرطة، ومن ثم فإن الكتاب يأخذ القارئ إلى عالم الوجع الإنساني الخفي، في رحلة الوصول إلى هدف مشروع، والتضحية المؤلمة والطويلة لبلوغه.

لقد استطاع بدر العليان بلغة رشيقة اصطحاب القارئ معه في رحلته الحياتية وأفراد أسرته للانتقال إلى حلم طالما رواده، ولكن لحظة يشعر القارئ بالسعادة لبلوغ بدر مقصده، يعود ليدخل معه معاناة جديدة في "التكييف مع مرض التصلب العصبي" وهنا أيضا قصة جديدة لعزيمة وإرادة تشبث بالحياة تستحق انحناءة كبيرة لبدر ومن هم على شاكلته، فالحياة لا تحترم إلا من يقف معها في إصراره على الدوران في دولابها بعزيمة إنسانية لا تلين وإرادة قوية تثير الإعجاب والتقدير.

يلفت النظر في كتاب بدر العليان "كان بالأمس" صدق لغته وقدرته على ضخ روح حميمة من المشاعر في كلماته. وإذا ما أخذ بعين الاعتبار أن العالم يعيش عصر الكتابة الذاتية، فإن كتاب بدر يقدم نموذجاً لكتابة ذاتية كويتية تبعث على الاعتزاز.