بدأت استثمارات مشاريع الأصولية الدينية السياسية بشقيها السني والشيعي تؤتي ثمارها العلقمية السامة، المنكهة بمذاق ورائحة الدم، وإن كانت ثمرة الحركات السلفية المُرة بدأت مبكراً في أعقاب هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة. والآن جاء دور الشق الآخر الشيعي من أنصار ولاية الفقيه في جني ما زرعوه في لبنان سابقاً، وفي العراق مؤخراً، فحزب الله اللبناني في مأزق حقيقي سيكون ثمنه فادحاً، وسيجعل استثمار النظام الإيراني فيه مجرد عبث سيرتد برصيد سالب كبير ستغطيه الطائفة الشيعية في الشام التي عاشت قروناً في سلام واندماج في محيطها بأشكال فادحة مختلفة.

Ad

الوضع في المنطقة متوتر طائفياً بشكل لم يسبق له مثيل، ورموز وقيادات الطائفتين يعتبران المرحلة ذهبية ليزيدوا شعبيتهم ويكرسوا قيادتهم السياسية لطائفتيهما بالشعارات الدينية المذهبية، بينما هم في الواقع يجرونهما إلى مواجهات دموية بلا معنى، سيكون منطلقها سورية، فالنظام السوري -حسب جريدة الجمهورية اللبنانية- يدعو حزب الله ومقاتليه إلى الاستعداد للمواجهة الكبرى للدفاع عنه، وهو غالباً ما سيدفع النظام الثيوقراطي الإيراني للطلب من حزب الله اللبناني وتنظيمات عراقية شيعية أخرى الدفاع عن حليف طهران الاستراتيجي الممثل في نظام الأسد، وهو الخطأ التاريخي الذي سيؤدي إلى مواجهة كارثية للطائفة الشيعية في بلاد الشام مع 25 مليون سني من طرابلس في شمال لبنان وحتى الموصل في غرب العراق، وستكون مواجهة لو اندلعت طويلة الأمد وأثمانها مرعبة ووجودية لطائفة عريقة ومهمة في الشام.

الكثيرون كانوا يحذرون، منذ عقود من عواقب المشاريع السياسية الدينية، وذلك منذ أن أيقظ الرئيس المصري الأسبق أنور السادات في بداية سبعينيات القرن الماضي الحركات الدينية في جامعة القاهرة، ورعاها سياسياً الأردنيون، وموّلها الخليجيون، ودربتها ونشرتها الاستخبارات الأميركية لمواجهة الاتحاد السوفياتي أثناء الحرب الباردة، واستمرت التحذيرات أيضاً مع اندلاع ثورة 1979 في إيران بقيادة الإمام الخميني التي رأت فيها بعض الدول الأوروبية فرصة لموازنة الهيمنة الأميركية – البريطانية في منطقة الخليج النفطية، بينما هي في الواقع إطلاق للجناح الثاني الشيعي الذي طار به المشروع الأصولي الإسلامي السياسي ليلقي بحممه النارية على المنطقة، وأوصلنا إلى حالة كارثية دمرت أفغانستان، وجزأت السودان وحولت باكستان إلى فوضى، وستمزق اليمن لو صدقت التوقعات بانتقال قيادة تنظيم القاعدة إليه، فالأوضاع كلها تنبئ بعواقب وخيمة للمشروع الأصولي بشقيه السني – الشيعي، بينما شعوب المنطقة للأسف ماضية فيه بلا تردد أو حتى وقفة لمراجعة النفس وحصد الخسائر والأرباح الناتجة منه.

***

كما توقعت في مقالتي السابقة التي سطرت فيها معاناة وإذلال المواطنين والخليجيين عند استخراجهم لسمة الدخول "الفيزا" لدول الاتحاد الأوروبي بألا ترد أي سفارة أوروبية أو تعلق على ذلك، حتى سفارة المملكة الإسبانية التي ضربت بها مثالاً في المقالة لم ترد ولاذت بـ"الحقران" لنا جميعاً، فالأوروبيون لا يقيمون وزناً لنا ولا قيمة لشعوبنا وسيظلون يعاملوننا بنفس العنجهية والطلبات الاستفزازية من سكن وخلافه لمنحنا "الفيزا"، والمصادفة أنه خلال 48 ساعة سيصل إلى الكويت نائب وزير الخارجية الإسباني السيد غونزالو ديبنيتو في زيارة رسمية تحت عنوان تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي، بينما هي في الحقيقة زيارة للطلب منا المساهمة في إنقاذ الاقتصاد الإسباني المنهار عبر عدة وسائل منها شراء سندات سيادية إسبانية، واستثمارات وإيداعات هناك، وتمويل بنوك وشركات إسبانية على وشك الإفلاس، وطبعاً سنفعل نحن وعدة دول خليجية أخرى ما يريدونه، ولكن هل سيطلب مسؤول في وزارة الخارجية الكويتية أو أي جهة خليجية أخرى من الزائر الإسباني أن يحترم المواطن الكويتي والخليجي، وأن تمتنع السفارات الأوروبية عن طلباتها وعنجهيتها في التعامل معنا، أو يصدر نائب في مجلس الأمة بياناً بهذ المعنى تزامناً مع زيارة المسؤول الإسباني للبلاد؟ حتى تظهر حكوماتنا وسياسيونا حرصهم على كرامة مواطنيهم، وتطبق مبدأ المعاملة بالمثل، لا سيما أن المواطن الأوروبي يحصل على سمة الدخول في معظم المطارات الخليجية بكل احترام ومودة.