من معاني رئاسة مرسي لمصر

نشر في 12-09-2012
آخر تحديث 12-09-2012 | 00:01
No Image Caption
 د. شاكر النابلسي لا بُدَّ لنا من ذكر أسباب صعود التيار الديني، ووصوله إلى السلطة، متمثلاً بوصول محمد مرسي الرئيس السابق لحزب "الحرية والعدالة"، وهو الحزب الذي يعتبر الجناح السياسي-الديني لـ"جماعة الإخوان المسلمين"، وكان من هذه الأسباب:

1- الصدمة الكبيرة التي أحدثتها هزيمة 1967، والتي أفقدت أمل الجماهير في الخطاب الليبرالي، وبحثت عن النجاة والنصر في الخطاب الديني- السياسي، باعتباره "الملجأ الروحي" الوحيد، الذي كان على الساحة، كما قال عالم الاجتماع المصري سعد الدين إبراهيم.

2- يعتبر بعض المحللين أن نجاح ثورة الخميني 1979، كان من ضمن أسباب انتشار ظاهرة التيار الديني- السياسي، الذي كان متمثلاً بـ"الإخوان المسلمين" قبل 25 يناير 2011 ثم أصبح متمثلاً بـ"الإخوان" والسلفيين أيضاً وبحزبهم "النور"، الذي طفا على السطح بقوة في انتخابات 2011 التشريعية المصرية. وكان هذا كله نتيجة للظروف الاقتصادية والاجتماعية، لكثير من البلدان العربية، خصوصاً مصر وتونس.

3- لا شك أن انخراط الشارع العربي السريع في العملية السياسية، بعد 25 يناير 2011، مقارنة مع معدلات النمو الاجتماعي والاقتصادي، كان له الأثر الكبير في انتشار ظاهرة التيار الديني-السياسي، في كل من تونس، والمغرب، ومصر، والعراق، وهو يعمل بنشاط ملحوظ في سورية، وليبيا، والأردن الآن.

4- إن ما قامت به أميركا في العراق وأفغانستان، اعتُبر من قبل الأصوليين والسلفيين "حملات صليبية" ضد الإسلام، كما زعم "الإخوان المسلمون"، والأصوليون والسلفيون المتشددون كافة، وهذه الحملات شحنت الشارع العربي بالكراهية، والعداء للغرب، ولأميركا خصوصاً، واعتُبرت بمنزلة "الاستعمار الجديد"، بل ربطت ربطاً محكماً بين هذه الحملات و"الحملات الصليبية" في القرن الحادي عشر والثاني والثالث عشر الميلادية (1096-1291م)، وكذلك ربطت بين هذه الحملات والحملة الفرنسية على مصر 1798.

5- كان لسوء الأوضاع المعيشية وزيادة نسبة الفقراء فقراً يصل الى حد الموت (يتمثل بدخل يومي بمعدل 3 دولارات، في معظم الدول العربية)، وزيادة نسبة العاطلين عن العمل (وصلت نسبة البطالة في عموم العالم العربي إلى أكثر من 20%) نتيجة لأنظمة التعليم التقليدية، التي لا تُخرِّج ما يحتاجه سوق العمل العربي، مما يزيد في نسبة البطالة في العالم العربي بشكل كبير، والاعتماد في الدول الغنية على الاقتصاد الريعي، وليس الاقتصاد المُنتِج والمُستوعب لأكبر عدد من الأيدي العاملة... كل هذا، أدى إلى رفع شعارات دينية- سياسية مختلفة من قبل التيار الديني- السياسي، يدّعي فيه هذا التيار، أن لديه الحلول الناجعة، لكل هذه المشاكل العالقة، وعلى رأسها المشكلة الاقتصادية. ولا شك أن ممارسة التيار الديني- السياسي الآن للسلطة، في كل من تونس ومصر، سيضعه على المحك الواقعي، ويختبر قدراته السياسية في حل المشاكل المستعصية. وفي هذه الحال، الليبراليون في العالم العربي، سيتعرضون لصدمة قوية، وهزيمة كبيرة، أما العقلاء منهم، فسيُسعدون لنجاح التيار الديني-السياسي في الحكم. فالمهم– للعقلاء فقط– في نهاية المطاف، مصلحة الوطن والمواطنين، بغض النظر من أين جاءت هذه المصلحة، من الشرق، أم من الغرب، من اليمين أم من اليسار أم من الوسط.

6- أخيراً، إن موقف الغرب وأميركا من القضية الفلسطينية، ومن عذاب الشعب الفلسطيني في المخيمات، مدة تزيد على ستين عاماً حتى الآن، أقنع الشارع العربي "قناعة تامة"، بأن موقف التيار الديني- السياسي من السياسة الغربية بشكل عام، موقف صحيح وسليم، وواجب دعمه. ودعم من يفضح الغرب ويحاربه على النحو الذي يفعل التيار الديني-السياسي. ولكن لنعلم جيداً، أن الليبراليين في العالم العربي، يرون أن الغرب آثم كل الإثم في هذا المقام، ولكنهم لا يرون أن الإرهاب والمقاومة المسلحة، هي الحل الأمثل لهذه القضية، كما يرى التيار الديني- السياسي. وإنما ينادي الليبراليون بالتفاوض والحل السياسي، الذي أصبحت إسرائيل ترفضه الآن، أكثر من أي وقت مضى. وبذا لم يصبح أمام "الحق الشرعي" غير المقاومة وغير الكفاح المسلح. وكأن إسرائيل بهذا، تدفع التيار الديني- السياسي إلى هذا الحل الانتحاري، غير المجدي، برأي كثير من الليبراليين.

الطريق الممهد والسالك

وكان من الطبيعي والمتوقع أن يصل محمد مرسي الذي تربى فكرياً وسياسياً ودينياً في مدرسة "الإخوان المسلمين" إلى منصب رئاسة الجمهورية، وأن يصل قبله سعد الكتاتني إلى رئاسة مجلس الشعب، ويصل أحمد فهمي إلى رئاسة مجلس الشورى، ثم يأتي هشام قنديل رئيساً للوزراء. وبذا، سيطر الأصوليون على السلطة التشريعية والتنفيذية، ثم سيطروا على السلطة العسكرية بعزل المشير حسين طنطاوي وتعيين الفريق عبدالفتاح السيسي بدلاً عنه، وعزل الفريق سامي عنان وتعيين صدقي صبحي رئيسا للأركان محله.

وكان هذا هو أمل "جماعة الإخوان المسلمين" العزيز، منذ زمن طويل وتحديداً منذ الثورة المصرية عام 1952 التي طمع أن يكون فيها سيد قطب وزيراً للمعارف، ولكنه لم ينجح في ذلك.

أهمية «الإسلام السياسي»

لكن المهم هنا ليس وصول الأصوليين إلى سدة الحكم، بقدر ما المهم هو ما سيقدمه، ويقوم به الأصوليون من حل لمشاكل مصر المستعصية الكثيرة، التي سبق أن استعرضنا الجانب الاقتصادي العسير منها.

صحيح أن الإسلام كدين، استفاد كثيراً من إشهار الأصوليين والسلفيين له. ولولا "الإسلام السياسي" لما اهتم العالم بالإسلام، ودراسته، واكتشاف بعض زواياه. وأكثر مما استفاد الإسلام من حركة "الإسلام السياسي" زيادة عدد المستشرقين والباحثين في الشرق والغرب عن المسكوت عنه في الإسلام، ولكن السياسة استفادت أكثر فأكثر من الإسلام.

حظوظ الأصوليين الحسنة

كان توقيت ظهور "الإسلام السياسي" وبروز التيار الديني على النحو الذي ظهر به، مهماً للغاية، وخدم كثيراً حركة "الإسلام السياسي" في مصر خصوصاً، والعالم العربي عامة.

ففي السنوات الأربع الماضية بدأت أسعار البترول ترتفع، وتوفر لدول الخليج عامة إيرادات سنوية ضخمة، استطاعت من خلالها الإنفاق الغزير الداخلي والخارجي. وقد أصاب التيار الديني عامة من هذا الإنفاق المال الكثير، الذي ساعده سياسياً على البروز والانتشار. كما ساعد التيار الديني المصري على الوصول إلى السلطة، علاقة مصر الحسنة في عهد مبارك بدول الخليج عامة منذ عام 1991 وحرب الخليج الثانية، ولو كان ذلك العهد عهد عبدالناصر وخلافه مع السعودية بشأن حرب اليمن، أو كان مع السادات وخلافه مع دول الخليج بشأن معاهدة "كامب ديفيد" 1979، لما دعمت دول الخليج مصر كما تدعمها الآن.

ومن آيات هذا الدعم ما قالته الأخبار في الأمس من تقديم استثمارات قطرية لمصر بمبلغ 18 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة. كما جاء في الأخبار أن وزير التجارة السعودي سيقوم بزيارة إلى مصر قريباً، يجري خلالها مباحثات مع نظيرة المصري لتحقيق "المزيد من التعاون في مختلف القطاعات، وفتح آفاق جديدة لزيادة التجارة البينية والاستثمارات المشتركة خلال المرحلة المقبلة".

وسيرافق الوزير السعودي في هذه الزيارة رئيس مجلس الأعمال السعودي المصري، ورئيس مجلس الغرف السعودية، وأكثر من 30 رجل أعمال، إلى جانب بنوك وشركات اتصالات.

كما زاد إقبال المستثمرين الخليجيين على شراء أسهم الشركات المصرية مما حسَّن من أداء البورصة المصرية، ولو كان الوضع المالي في دول الخليج سيئاً أو محدوداً كما كان في السبعينيات وبداية الثمانينيات، لما تمَّ كل ذلك. ويضاف إلى هذه العوامل عامل ضعف المعارضة الليبرالية للأصوليين في مصر والعالم العربي عامة، مما مكن الأصوليين من الوصول إلى السلطة، دون مقاومة تذكر.

ولعل هذه الأسباب كلها، تضاف الى أسباب وصول التيار الديني، وعلى رأسه محمد مرسي، وأحمد فهمي، وهشام قنديل، وسعد الكتاتني، وعصام العريان، وغيرهم، إلى السلطة المصرية التشريعية، والتنفيذية، والاستشارية الرئاسية.

* كاتب أردني

back to top