حكاية رمشة وإلحادها

نشر في 05-09-2012
آخر تحديث 05-09-2012 | 00:01
No Image Caption
 أ.د. غانم النجار فلنبدأ هذه الحكاية بهدوء، وتعقل، ولنقرأها بتمعن، فهي تحدث في زمن الكراهية واللامعقول، ونستطيع تطبيقها على أي بلد كان وعلى أي دين وعلى أي ملة. بدأت الحكاية قبل ثلاثة أسابيع تقريباً في حي مهراباد الفقير بضواحي إسلام آباد العاصمة الباكستانية عندما اتهم أمام مسجد المنطقة حافظ محمد جشتي طفلةً مسيحيةً معاقةً ذهنياً تدعى رمشة بالإلحاد بسبب حرقها صفحات من القرآن الكريم، وعلى إثر ذلك تم اعتقال الطفلة وحبسها 14 يوماً بموجب قانون الإلحاد والإساءة للرموز الدينية، وهو قانون متشدد، ودائماً تثير مثل هذه القضايا جدلاً واسعاً في باكستان. وقد صرح الإمام جشتي لوكالة الأنباء الفرنسية في 24 أغسطس الفائت، بعد حبس رمشة، بأنها قد أحرقت صفحات القرآن متعمدة كجزء من المؤامرة المسيحية للتعدي والإساءة للمسلمين، وأنه كان من الواجب اتخاذ تلك الإجراءات منذ زمن لمنع الأنشطة المعادية للإسلام في مهراباد. إلا أن الأمور لم تسر حسب ما أراد جشتي، فقد تقدم نائب الإمام مولوي زبير وشخصان آخران هما محمد شهزاد وأويس أحمد ببلاغ للمحكمة يؤكدان فيه أن من قام بحرق صفحات القرآن هو الإمام جشتي نفسه، ودس تلك الصفحات في الرماد الذي تم اتهام الطفلة بأنها أحرقت القرآن فيه. وقد أوضحوا أنهم عبثاً حاولوا منع جشتي من حرق القرآن ليتهم به الطفلة، ولكنه كان يرد عليهم بأنها الطريقة الوحيدة التي نستطيع فيها طرد المسيحيين من مهراباد. وبناءً على ذلك فقد اعتقلت الشرطة الإمام جشتي استناداً إلى قانون الإلحاد والإساءة للقرآن والرموز الدينية، لأنه حرق صفحات من القرآن الكريم فاستحق بذلك أن يُعاقَب بموجب ذات القانون، وقد تم توجيه تهمة الإلحاد إليه. وفي المقابل فقد أكد محامي الطفلة رمشة المعاقة ذهنياً طاهر يودي أن القضية ضدها ساقطة، وطالب بإسقاط التهم والإفراج عنها فوراً. أما بالنسبة لجشتي فقد وصل إلى المحكمة قبل يومين معصوب العينين بمرافقة الشرطة، وقد تم حبسه 14 يوماً. والسؤال ماذا لو لم يصحُ ضمير زبير وشهزاد وأحمد ويدلون بشهادتهم لمصلحة الطفلة؟! حكايات كثيرة مثل تلك تقودها الكراهية، ويجد المتشدد تبريراً لكذبه وافترائه لإقصاء الآخر، بل وتصل به المسألة إلى درجة الإساءة لمقدساته التي يزعم أنه يدافع عنها. لا أعرف لماذا سحبتني الذاكرة للظلم الذي تعرض له نصر حامد أبوزيد على يد عبدالصبور شاهين، رحمهما الله، حين اتهمه بالإلحاد ثم دار الزمن لكي يأتي مَن يتهم عبدالصبور بالإلحاد. ومثل تلك الأحداث مكررة، ولكنها ربما أقل شهرة، زمن تسوده الكراهية ولا يسود فيه حق.
back to top