افتقدنا رمزاً من رموز الوطنية، وتابعنا خلال الأيام الماضية الكثير من المقالات والتقارير عن المرحوم العم جاسم القطامي الذي غيّبه الموت قبل أيام عدة، وقد تناولت المقالات جوانب عديدة من شخصيته وأغفلت جانباً مهما، وهو جاسم القطامي "عضو البرلمان" الذي ساهم بإيجابية "حادة" وواقعية "شديدة" في الجلسات، فلا تجده مجاملاً للحكومة ولا مستغلاً الخطاب المعارض لأهواء شخصية، بل كان "مبادراً سياسياً".

Ad

التصقت روح المبادرة بجميع جوانب شخصيته سواء كانت شخصيته العروبية، فاعتنق العروبة كنهج وتطلع إلى المشاريع الإقليمية العربية، ودفع ببلده الكويت للانضمام إلى جامعة الدول العربية حماية لها من الأطماع.

أما الجانب الآخر، فهو جاسم القطامي النائب في البرلمان الذي لم يتحدث إلا والكويت نصب عينيه، ولم يطالب إلا بحقوق كل من وطئت قدماه أرض الكويت، وقد اخترت أخي القارئ محضر جلسة من جلسات نوفمبر 1985 نشرت في الصحافة بتاريخ 10 نوفمبر 1985 لما فيه من عبر ودروس:

جاسم القطامي:

• "لا نريد أن نكرر إنما نريد أن يكمل بعضنا البعض في التعليق على المواضيع العامة التي يحلم شعبنا أن يكون قرارات حازمة وتحقق آماله، هذا المجلس حريص على الديمقراطية أكثر من حرص الحكومة لأن ذلك من واجبات المجلس، ولأن الانتكاس في المسيرة أكثر من يتضرر منه أعضاء هذا المجلس وشعب هذا البلد".

• "الأخ وزير الدولة لم يكن موفقاً في تصريحه، إنه متضامن مع وزير المالية أقصد وزير النفط حتى لو قصر في واجبه في مرفق كمرفق النفط هو كل مستقبل هذه الأمة".

• "التضامن الحكومي يكون مع الحق والقضايا العامة وليس مع أشخاص".

• "كان عندنا رجل من رجالات الكويت الوطنيين هو خالد العدساني، وقد قبل الاستجواب ومثُل أمام المجلس ونواب الشعب، فالخطاب تطرق إلى الاقتصاد والدخل القومي ولم يتطرق إلى عائدات النفط التي انخفضت إلى 3 آلاف مليون سنوياً والميزانية فيها نقص 600 مليون تؤخذ من الاحتياطي العام... وكان بودي لو أن الخطاب الأميري عالج هذا الأمر ليطمئن المجلس".

• "هناك 16 لجنة شكلت للإصلاح الإداري للجهاز الإداري ولم تفعل "شي" لأن اللجان ذاتها تعاني من جرثومة الفساد وفاقد الشيء لا يعطيه... شعبنا يعاني من الرشوة والفساد ومن كل مشاكل القسوة في العالم".

• "مشكلة الأمن وعلاجها ليس بالإجراءات الصارمة التي جعلت الناس تقف في رعب خصوصاً الإخوة المقيمين، الناس تقف في المطار بشكل رهيب، هذا ليس في بلد ديمقراطي، ما هكذا يعالج الأمن... الآن آلات ومعدات حديثة تستطيع أن توقف أي خلل... هذا الأسلوب الإرهابي القديم التقليدي لا يجوز".

• "أنا أشكر سياسة الكويت الخارجية في موقفها مع العراق الذي يناضل، وأنا أشجب موقف مجلس التعاون على بيانه الذي يرجو الدولتين كيف تساوي إيران مع العراق؟".

• "لم يبقَ إنسان في الدنيا إلا وتوسط لدى إيران التي ترفض. نحن كنا نتأمل العكس في تطور مجلس التعاون ونحسّن أوضاعه وشعبنا الخليجي، كله رجاء على تجربة الكويت كلنا نحاول أن تعمل هذه التجربة وتؤثر...".

الرئيس: رفعت الجلسة!

انتهى الوقت ورفعت الجلسة التي ترأسها بالنيابة صالح الفضالة، وحُل المجلس عام 1986، واليوم ما كان يؤرق جاسم القطامي مازال مستمراً، فاللجان سواء كانت وزارية أم برلمانية غير محصنة ضد الفساد، والمقيم لا يلقى اهتماماً تجاه معاناته، والتضامن الوزاري ضبابي أمام الإنجاز أو المحاسبة، أما العلاقات مع العراق... فمبادرة الخارجية الإيجابية عام 85 قوبلت بأعنف وأغرب رد للجميل والعرفان عام 90!

رحم الله جاسم القطامي مبادراً سياسياً على الصعيد المحلي والإقليمي ومدرسة في السلوك والأداء البرلماني.