مهزلة!
وصل عدد القتلى منذ بداية وصول المراقبين الدوليين إلى سورية إلى نحو سبعمئة، إضافة إلى أعداد غير معروفة من المعتقلين والمفقودين، لكن رغم هذا كله، ورغم تصاعد العنف على غرار ما حدث أيام المراقبين الذين أرسلتهم الجامعة العربية بقيادة الجنرال مصطفى الدابي، والذين انتهت مهمتهم إلى الفشل الذريع، فإن الناطق باسم كوفي أنان يتصرف على أساس أنه "شاهد ما شافش حاجة"، ويقول إن الأمور تسير على ما يرام، وإن مهمة المبعوث الدولي والعربي تحقق نجاحات جيدة.والغريب أن كوفي أنان طلب من الأمم المتحدة وربما من الجامعة العربية أيضاً "موازنة" له ولفريقه مدة عام، مما يعني أنه يخطط لإقامة طويلة، ومرتاح لتعايش العالم مع هذه المأساة الدامية والمدمرة، وتَعوّد على سماع الأرقام التي تتحدث يومياً عن عشرات ومئات القتلى، ومرتاح أيضاً لانزياح الأضواء عن الخبر السوري، وتحويله من خبر طليعي ورئيسي إلى خبر يأتي في الدرجة الثانية أو الثالثة في وسائل الإعلام العربية والعالمية.
كان على كوفي أنان أن يلتزم بما ورد في الخطة، التي جاء لتنفيذها، والتي تنص أول ما تنص على الالتزام بوقف إطلاق النار، من قبل نظام الأسد أولاً، ومن قبل المعارضة والجيش السوري الحر ثانياً، وسحب القوات السورية بدروعها ودباباتها وأسلحتها الثقيلة من المدن والقرى، والعودة إلى المعسكرات التي كانت ترابط بها قبل انفجار هذه الأحداث المتصاعدة في 25 مارس 2011. لكن هذا لم يحصل حتى الآن رغم كل هذه الفترة منذ وصول طلائع المراقبين الدوليين إلى سورية، ما يعطي مصداقية لانطباعات الذين يقولون إن أنان عبارة عن "دابي" جديد، وإن مهمته قد تحولت إلى إعطاء فرصة أخرى لنظام بشار الأسد، على غرار ما حصل على مدى نحو عام وأكثر، كي يواصل عمليات التقتيل، ويستمر في التنكيل بالشعب السوري الذي بات في حكم المؤكد أنه ماضٍ في ثورته، التي بدأت سلمية وحولها هذا النظام إلى أنهار من الدماء، حتى النهاية، أي حتى إزاحة هذه السلطة الاستبدادية المستمرة منذ أكثر من أربعين عاماً، وإقامة سلطة وطنية وتعددية وديمقراطية تُدخل سورية في القرن الواحد والعشرين والألفية الثالثة.الملاحظ أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يقول إزاء عمل المراقبين الدوليين واستمرار القتل وشلالات الدماء في سورية غير ما يقوله مبعوثه ومبعوث الجامعة العربية كوفي أنان، ما يعني أن هذا الأخير ربما دخل على خط الصفقات السياسية الخاصة، وربما تحولت قوات الأمم المتحدة، التي وضعت بإمرته، إلى ما كان حصل مع قوات الجامعة العربية بقيادة مصطفى الدابي، التي كانت نهايتها أنها اكتفت من الغنيمة بالإياب، وتركت قوات بشار الأسد لتستكمل ما كانت بدأته بعد 15 مارس عام 2011... إنها مهزلة.وهذا يُحمّل الجامعة العربية مسؤولية كل هذه الجرائم التي يرتكبها نظام بشار الأسد ضد شعبه، ما يلزمها بإزاحة الغطاء العربي عن هذه المهمة والعودة مجدداً إلى مجلس الأمن الدولي الذي من المفترض أن يجتمع غداً ليجري تقييماً لهذه المهمة.