«لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك» (1)

نشر في 23-10-2012
آخر تحديث 23-10-2012 | 00:01
 إيمان علي البداح يزخر التاريخ بقيادات غابت عن نبض رعاياها، فجاءت ردود أفعالها محبطة ومتأخرة دوماً حتى اختفت من صفحات التاريخ، وبحضارات انقرضت بالكامل لفشلها في التأقلم مع المتغيرات والتعامل مع الواقع بشكل إيجابي وبرؤية مستقبلية واضحة.

أما رجل الشارع البسيط فيركض معذوراً وراء مصلحته الآنية دون تفكير عميق في الآثار والتبعات الاستراتيجية سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً، فنجد التحركات الشعبية العشوائية تطالب بالرغيف والثأر والأمن دون تقديم دراسة جدوى أو خطة تنفيذية، أو حتى اكتراث للتبعات السياسية الداخلية أو الخارجية، فالقرارات والتوجهات المدروسة دور القيادة لا العامة.

فالقيادي الناجح هو القادر على رسم رؤية مستقبلية واضحة المعالم والتأثير في الجمهور باتجاه تحقيق هذه الرؤية بأكبر حماس وبأقل الأضرار، ويتسنى ذلك بتفهم نفسيات وعقليات واحتياجات العامة، وربط مصالحهم الآنية بالرؤية المستقبلية، ولا يحصل القائد على ثقة العامة واحترامهم ما لم يشعرهم باحترام عقولهم ومشاعرهم، ويعمل على صيانة أرواحهم وممتلكاتهم، ويبلع كبرياءه الشخصي من أجل حفظ كراماتهم وحقوقهم.

وبالطبع يمكن قيادة العامة بالإرهاب أو بدغدغة مشاعرهم البسيطة أو بالإغراء بالغنائم الفورية، ولكنها في نهاية المطاف أساليب قصيرة الأثر، ولا تخلق الولاء والثقة المطلوبين للصمود في وجه التحديات وتحقيق الرؤى المستقبلية.

وهذا لا يستدعي أن يكون القيادي نابغة أو معصوماً عن الخطأ، ولكن يكفي أن يملك من الشجاعة أن يتحمل مسؤولية قراراته، ويعترف بالخطأ عند اقترافه، ويعود إلى جادة الصواب في حال ضلاله.

وبهذه المقاييس سقطت كل "القيادات" السياسية من كل الأطراف في اختبار الأزمة المحلية الحالية، ففي ظل الأخطار الداخلية والخارجية، وبارتفاع حس اليأس والخوف والغضب لدى العامة أثبتت القيادات كافة فشلها في إدارة هذه الأزمة، وفي كسب ثقة وولاء العامة، وفي التأثير فيها باتجاه بنّاء وإيجابي.

فقد أصبح الاختلاف خلافاً شخصياً، وتحكم ببعض القادة كبرياؤهم ومشاعرهم لا عقولهم ومبادئهم، واستغل خوف العامة، والشباب خصوصاً، للدفع باتجاه فرض سيطرته وإعلاء صوته لا باتجاه رؤية واضحة أو حل منطقي. ووضع الشباب في وجه المدفع ولم يأبه بسلامتهم وحقوقهم، أما البعض الآخر فقد اختبأ في الظل بانتظار انقشاع الغبار ليحدد موقفاً وليتخذ قراراً، والكل بلا استثناء ارتأى مصلحته الشخصية أو السياسية فوق مصلحة العامة ومصلحة الوطن.

فما العمل؟ في ظل هذه الفوضى والفراغ القيادي لم يبق لرجل الشارع سوى أن يتبع من يعزف على لحن احتياجاته الآنية بالرغيف والثأر والأمان وإن لم تتوافر الثقة التامة، وهذا منحى خطر جداً يسير بنا إلى حرب لا نهاية لها.

الحل... في الشباب ومنهم وفي قدرتهم على فرض "احتياجاتهم" على أطراف الصراع دون الانسياق الأعمى والعاطفي خلف أفضل الموجود.

الحل... أن نخرج من الدائرة الضيقة التي فرضها علينا المتنازعون، وأن نرى الصورة الكبرى بما تحمل من أمل وألم.

الحل... أن نتفق على رؤية مستقبلية تتضمن أحلامنا قبل أن نقبل على أي تحرك أو ننساق لأي تجمع.

الحل أن تكون قائد نفسك... وللحديث بقية.

back to top