إلى اليسار در!

نشر في 13-05-2012
آخر تحديث 13-05-2012 | 00:01
 ناصر الظفيري علق أحد الأساتذة على فلسفة الانتخابات في العالم الغربي وفي أميركا بالذات بأن الانتخابات في أميركا يمكن تشبيهها بخيارات الأب التي يقدمها لابنه: إما أن تذهب معي، أو أذهب أنا معك، أو نذهب نحن معاً. حين يفشل الجمهوريون عليك بالديمقراطيين وعليك بالديمقراطيين حين يفشل الجمهوريون. الحل الثالث يبدو مستحيلاً، ولن يستطيع مرشح مستقل أن يجمع ما مجموعه 1 في المئة من الأصوات مهما كان برنامجه الانتخابي. لا يطلق الأميركيون لفظ اليسار واليمين على الحزبين الوحيدين المتنافسين على السلطة في البلد الأول أو القطب الأوحد حالياً في العالم.

الوضع في أوروبا يختلف قليلاً عنه في أميركا، ففي فرنسا يسمى الحزب الاشتراكي باليسار الفرنسي، وهو يسار له أدبياته المغايرة والممثلة لأطروحاته، وهو ما لا يتوافر في الحزب الديمقراطي الأميركي. وها هي فرنسا تعود إلى اليسار بعد أن فقدت السلطة منذ عام 1988 بعد الرئيس ميتران، وبعد سلسلة انهيارات اقتصادية واجتماعية وصلت ذروتها مع الرئيس الأخير ساركوزي. ما يهم هنا هو لماذا يتعلق المثقف والمثقف العربي خصوصاً باليسار مقارنة باليمين؟

في عام 1980-1981 شاءت الظروف أن أنتقل مباشرة بعد الثانوية العامة إلى باريس في دورة خاصة مدة سنة تقريباً. وكان يمكن لهذه الدورة أن تكون كالإقامة في مشفى في قلب العاصمة الفرنسية لولا الأقدار التي جمعتني بشاب إيراني من أذربيجان شارك في الثورة الإيرانية، ثم انقلب عليها بعد أن رأى أنها سرقت من الشباب الإيراني الذي قام بها وسيطر عليها اليمين الديني حتى كتابة هذا المقال. كنت أتجول في باريس في نهاية كل أسبوع أعاني انعدام الاتصال مع شعب لا يتكلم الإنكليزية إلا في المحلات التجارية. وأعود إلى شقتي أجلس في الشرفة استمع للأغاني وأكتب بعض الخواطر. طرق الشاب الباب وتعرف إلي ثم دعاني في اليوم التالي للطعام. قال لي إن ميتران سينجح وسيهزم الرئيس جيسكار ديستان، ولم أهتم كثيراً، وكان الحديث برمته لا يعنيني. كنت معجباً بالحضارة الفرنسية والصناعة الفرنسية والمقارنة الوحيدة التي أمتلكها هي ما تركته خلفي.

في مساء يوم دعاني الصديق إلى حفل في الحي اللاتيني تقيمه المغنية اليسارية الأميركية جون بايز لدعم مرشح الحزب الاشتراكي ميتران. وصلنا الساعة الثانية ظهراً لحفل سيبدأ في السابعة مساء، لنجد أمامنا آلاف البشر، وليقدر العدد في ما بعد بأكثر من مليون مستمع. قال صديقي إن جون بايز هي صديقة ريجي دوبريه، وهو صديق تشي غيفارا وحارب معه، وسجن أربع سنوات ليخرج بتدخل من الحكومة الفرنسية ويؤسس الحزب الاشتراكي. قرأت لريجي دوبريه أغلب كتبه الفلسفية والروائية، ومازلت أتذكر رائحة رواية "الثلج يشتعل" وكأنها أبدية الرائحة، وتعلقت بالكتب يسار فرنسا وأميركا اللاتينية، كما تعلق بها أغلب مثقفينا العرب، لأنها السبيل الوحيد لخروجنا إلى الثورة ضد اليمين الديني والسياسي.

يتغلب اليمين على اليسار في الصناعة والثورة العلمية حين يتيح للفرد العمل بعيداً عن احتكار الدولة وتدخلها، لكنه يفشل في مضاهاته أدبياً. وفي المقابل، الصناعة التي تعتمد التأميم الاشتراكي تترهل وتمتلئ بالموظفين الكسالى الذين يعتاشون عليها دون أن يقدموا لها الكثير. والثقافة التي يقدمها اليمين بليدة لا شعور ولا إنسانية مقارنة بثقافة اليسار. والحصول على لقاح بين الاثنين مازال صعب التحقق رغم المراوحة بين الحزبين. وحتى نجد الطريق الثالث سنبقى نقف إلى اليسار بأدبياته، ونناهض اليمين لجشعه المادي القاتل.

back to top