إيران والإسلام السياسي في أنثروبولوجيات الإسلام

نشر في 18-07-2012
آخر تحديث 18-07-2012 | 00:01
No Image Caption
 د. شاكر النابلسي - 1 -

البروفيسور سامي زبيدة، عالم اجتماع، ومؤلف عراقي، عمل أستاذًا لعلم الاجتماع السياسي في كلية بيركبك، (جامعة لندن)، وكتب عددًا مهماً من المؤلفات، التي غطت مواضيع الدين، والإثنية، والقومية، والثقافة، والسياسة، في الشرق الأوسط. كما كتب أيضاً عن الغذاء "طعم الزعتر: ثقافات الطبخ من الشرق الأوسط"، والثقافة "الثقافة الشعبية والحياة الاجتماعية في الشرق الأوسط". ومن مؤلفاته عن الإسلام: "أنثروبولوجيات الإسلام"، و"الإسلام: الدولة والمجتمع"، و"القانون والقوة في العالم الإسلامي"، و"ما وراء الإسلام: فهم جديد للشرق الأوسط". وكتب كذلك في مجال علم الاجتماع السياسي: "العرق والتمييز العنصري في العراق"، و"الأفكار والحركات السياسية في الشرق الأوسط"، وغيرها. والبروفيسور سامي زبيدة، أستاذ لكثير من علماء الاجتماع العرب المعاصرين والبارزين، وعلى رأسهم عالم الاجتماع العراقي فالح عبدالجبار، الذي قدم لنا أبحاثاً مفيدة عدة في علم الاجتماع السياسي، منها: "العمامة والأفندي"، و"الإثنية والدولة"، إضافة لرئاسته لـ"معهد الدراسات الاستراتيجية" في بيروت وبغداد، والذي قدم لنا من خلاله دراسات اجتماعية وسياسية مهمة، كان أبرزها كتاب الباحث العراقي زهير الجزائري: "المستبد: صناعة قائد، صناعة شعب".

- 2 -

نشر البروفيسور سامي زبيدة، أخيراً كتابه "أنثروبولوجيات الإسلام: مناقشة ونقد لأفكار إرنست غلنر". وإرنست غلنر مستشرق بريطاني معروف بدراساته وأبحاثه الاستشراقية حول الإسلام، والعرب قبل الإسلام، وبعد الإسلام. وتم نشر هذا الكتاب "أنثروبولوجيات الإسلام: مناقشة ونقد لأفكار إرنست غلنر" عن دار الساقي في بيروت ولندن، ضمن سلسلة "بحوث اجتماعية". ولكن هذه الدار التي تعتبر من أكبر دور النشر العربية، لم تُشر من قريب أو بعيد الى السيرة الذاتية المختصرة للبروفيسور سامي زبيدة، ولم تقدم لنا ولو بسطور معدودة شرحاً له ولأعماله كما تفعل مثلاً سلسلة "عالم المعرفة" الكويتية المعروفة. و"دار الساقي" تفترض، أن قراء كتبها يعرفون من هو سامي زبيدة، أو غيره من كتابها، وهي واهمة، ومخطئة، ومقصرة، في ذلك كل الوهم، والخطأ، والتقصير.

- 3 -

يطرق البروفيسور سامي زبيدة في كتابه "أنثروبولوجيات الإسلام" موضوعاً من موضوعات الساعة، رغم أنه كتبَ ونشرَ هذا الكتاب عام 1997، وهو "إيران والإسلام السياسي في "أنثروبولجيات الإسلام"، حيث يناقش طروحات المستشرق البريطاني إرنست غلنر، الذي يحاول "صياغة الإسلام الحديث في قالب فيبري [نسبة إلى عالم الاجتماع الألماني فيبرWeber] من الطهرانية العقلانية الملائمة للحداثة. وفي الحقيقة هناك مؤسسات وقطاعات اقتصادية كثيرة في أغلبية بلدان الشرق الأوسط، تدعي أنها ذات هوية إسلامية".

فهل هذه القطاعات إسلامية حقاً؟

- 4 -

ويأتي سامي زبيدة بمثال من إيران، ويقرر أن إيران ليست تنويعاً على نموذج عام للمجتمع الإسلامي، ولكن ادعاءات إيران الإسلامية مهمة في مغزاها لسياسة المنطقة، وهي من هذه الناحية كبيرة الشبه بروسيا ما بعد الثورة البلشفية 1917. ومن الملاحظ أن "الإسلام السياسي" الإيراني لم يكن النموذج الإسلامي الأمثل للآخرين في التنظيم السياسي، أو في الأيديولوجيا الدينية/السياسية. فالملالي الإيرانيون (وهم من رجال الدين) قاموا في إيران بدور ثانوي، وتابع في إلهام الحركات الثورية الإسلامية وتنظيمها السياسي، في العالم العربي، وتركيا. في حين قام حسن البنا، وسيّد قطب، والشيخ كشك في مصر، بدور أكثر تأثيراً، رغم أنهم لم ينبثقوا عن المؤسسة الدينية، كما هي حال رجال الدين الإيرانيين. وقد لاحظ البروفيسور سامي زبيدة، أن بعض رجال الدين في العالم العربي، لا يلتحقون بالركب الآن، إلا مع صعود تيار "الإسلام السياسي". وهو ما نشاهده الآن في تونس، ومصر، وليبيا، وسورية، والعراق، واليمن، وغيرها، من البلدان العربية. وكان البروفيسور سامي زبيدة قد قال من قبل (1993) وقبل قيام الثورات العربية في نهاية 2010 وبداية 2011، وحلول "الربيع العربي" إن "الإسلام السياسي" قد أصبح مصطلحاً سائداً، في سياسة منطقة الشرق الأوسط وثقافتها. وأكد أنه يجري التعبير عن كثير من المصالح، والأفكار، والمشاعر، والتطلعات المختلفة، من هذا المنظار. وانتهى البروفيسور سامي زبيدة إلى نتيجة في عام 1993، مفادها أن "الإسلام السياسي"، قد حلَّ محل القومية، والاشتراكية (الناصرية) السابقة. وهو بصفته هذه، لا يمثل إيديولوجيا موحدة، أو نظرة متكاملة إلى العالم، بل يعبر عن نظرات عدة مختلفة، ومن هنا رأينا "الإسلام السياسي" التونسي، يختلف عن "الإسلام السياسي" المصري، وعن الليبي، والسوري، واليمني، والعراقي... إلخ.

- 5 -

لقد لاحظ البروفيسور سامي زبيدة، أنه في ضوء الشعارات الإسلامية السائدة (1993) أن دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليس القرآن الكريم، ولا الشريعة الإسلامية- كما أصبحت الحال نفسها في تونس الآن، وسيكون الأمر كذلك في مصر فيما بعد- وهو دستور يمنح الشريعة سلطتها، بإعلانها مصدر التشريع. وأن الدستور الإيراني ينصُ على برلمان مُنتَخَب بالاقتراع العام، يكون مسؤولاً عن التشريع، وهذا يعني الإقرار بوجود تشريع بشري موضوع، إلى جانب التشريع الإلهي، شريطة عدم تجاوز التشريع الإلهي، أو التناقض معه. وبما أن الشريعة ليست مُقننَة في لوائح معينة، وأن ممارستها ترتكز على الرأي والتقدير، فإن مهمة التشريع تصبح صعبة، ومجالاً لكثير من المناورات السياسية.

- 6 -

يحاول البروفيسور سامي زبيدة، تحليل ثورة الخميني و"الإسلام السياسي" الذي جاء به عام 1979، ويقرر التالي:

1- أن الخميني، لم ينجح في مركزة المرجعية الدينية.

2- أن المذهب الشيعي التقليدي، الذي يستند إلى المجتهدين (رجال الدين)، قد تخطى الحكم الخميني.

3- اعترفت قطاعات إيرانية واسعة، للخميني بالمرجعية العليا، ولكن تم هذا خارج إيران (العراق، ولبنان، والهند، وباكستان، وغيرها). أما شيعة خارج العراق، فقد دانوا بالولاء لغير الخميني كآية الله الخوئي (العراقي)، الذي عارض الخمينية، ونادى بفصل الدين عن السياسة، واستبعاد "الملالي" من الحكم، والسلطة.

4- اختفت قدسية الحكومة الإسلامية برحيل الخميني. (كما اختفت قدسية اشتراكية عبدالناصر بعد رحيله) مؤكدة مرة أخرى على الأسس الشخصية للسلطة. وأن سلطة الخميني، كانت مصدر السلطة الدينية والوصية على القانون، من الناحية النظرية، ولكن ليس لها سلطة دينية في الممارسة، وعلى أرض الواقع. وكانت الحكومة الإسلامية في عهد الخميني، تبدو كحكومة كبقية حكومات العالم. وما يميزها عن الحكومات الأخرى في العالم، أن على رأسها رجال دين (الملالي).

5- إذن، ثورة الخميني، فشلت في نشر "الإسلام السياسي" خارج إيران، وتصدير الثورة، في حين نجح حسن البنا- وبدون ثورة سياسية ضد الملك فؤاد، أو ضد الملك فاروق- في نشر "الإسلام السياسي"، خارج مصر، كما نلاحظ الآن في الأردن، والمغرب العربي، وسورية، وفلسطين، وبعض دول الخليج.

* كاتب أردني

back to top