لا أظن أنه يخفى على أحد اليوم، كبيراً كان أو صغيراً، أن هناك توتراً كبيراً بين ضفتي الخليج العربية والإيرانية، حتى إن حاولت أغلب الأطراف المرتبطة بهذا التوتر، خصوصاً على هذه الضفة، "تزويقه" وإخفاء ملامحه عبر التصريحات المنمقة دبلوماسياً. لكن إيران، في الضفة المقابلة، لطالما كانت أكثر وضوحاً وحزماً في تصريحاتها ومواقفها تجاه قضاياها المختلفة مع دول الخليج، بل وقضاياها المختلفة مع العالم أجمع. عندما تتحدث وتصرح إيران، فهي تكون بعيدة دوماً، عن المجاملات السياسية، بل لعلها تتقصد أن تكون أقرب إلى الوقاحة والصدامية في التعبير عن مواقفها في كثير من الأحيان!

Ad

هذا الأسلوب، وبالأخص الشق الخاص بوضوح إيران فيما تقول، جعلها تمتلك، في تقديري، شيئاً من التفوق، إن جاز لي استخدام هذه اللفظة هنا، في علاقتها مع دول الخليج الأخرى. إيران هي دوماً صانعة الفعل، وعلى دول الخليج الإتيان برد الفعل، هذا إن قامت بذلك أصلاً وخذوا عندكم الحكاية التالية، والتي قرأتها منذ مدة في مكان ما، على سبيل المثال.

في عام ٢٠٠٤م، قامت وزارة الثقافة الإيرانية، بمنع دخول وإيقاف نشاط مراسلي وصحافيي مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" العالمية في أراضيها، وذلك بحجة أن هذه المجلة قد نشرت أطلساً يظهر فيه اسم الخليج "العربي" بدلا من الخليج "الفارسي"، وأن الأطلس قد أشار كذلك إلى الجزر الإماراتية الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، ووصفها بأنها جزر محتلة من قبل إيران. وقد فسرت وزارة الثقافة الإيرانية موقفها هذا بأن الخليج لا يصح تسميته بالخليج العربي لأنه فارسي أصلاً، وأن وجودها في الجزر الثلاث ليس احتلالاً أبداً، وأن كل ما هنالك هو اختلاف في وجهات النظر مع الطرف الإماراتي، وأنها، أي إيران، وبسبب هذه المعلومات المغلوطة والمسيئة بحق إيران، من قِبَل مجلة "ناشيونال جيوغرافيك"، ستقوم بمنع دخول منتسبي هذه المجلة وصحافييها إلى الأراضي الإيرانية حتى يتم تصحيح الأخطاء.

وبالفعل، قامت المجلة المذكورة بالاستجابة للطلب الإيراني، وغيرت معلوماتها الجغرافية التي كانت نشرتها في ذلك الأطلس، بالرغم من استنادها في المرة الأولى إلى المصادر التاريخية الموثوقة، ليمر الأمر دون أن تحتج أو تعترض أي دولة خليجية، سواء بشكل رسمي من خلال وزاراتها ومؤسساتها المعنية، أو من خلال أجهزتها الثقافية والإعلامية الرسمية أو المستقلة، على هذا التصرف المستفز في حق بقية دول الخليج العربي!

وقد سقت هذا المثال، لأبين أن هذا الموقف ينسجم تماماً مع مواقف إيران المعروفة كافة. فإصرارها الشديد والدائم على أن الخليج "فارسي" وأن الجزر الإماراتية الثلاث لها، ليس شيئاً جديداً، وليس بتصرف تأتي به من باب المماحكة السياسية، بل هو تصرف مدروس، تقوم به حتى تظل يدها ممسكة بخيط التوتر في المنطقة، من نقطة ارتكاز أعلى وأكثر ثباتاً. وفي المقابل، فإن مواقف دول مجلس التعاون الخليجي، تكاد تكون جميعها سواء، وكأنها تقبع في الخانة الأدنى، وتمسك بالخيط مرتخياً.

تفوق إيران في معادلة التوتر القائم بين ضفتي الخليج العربي، لا يرجع إلى تفوقها جيوسياسياً أو عسكرياً أو بشرياً في المقام الأول في ظني، بل يرجع إلى ضعف مواقف دول مجلس التعاون الخليجي أمامها، وغياب الموقف الموحد، بل وغياب الرؤية المشتركة، وليس أبلغ مثالاً اليوم من المواقف غير المتجانسة لدول الخليج تجاه موضوع النشاط النووي الإيراني، وتجاه احتلال الجزر الثلاث، بل وتجاه الاستفزازات الإيرانية المستمرة لهذه الدول، بل وتدخلها في بعض شؤونها بين فينة وأخرى. ومادامت دول الخليج تعاني هذا الضعف، فإن إيران ستظل تتمتع بهذه القوة!