قد تسقط الشعوب أنظمتها الفاسدة بثورة، ولكنها تحتاج إلى أكثر من ثورة لتثبيت دعائمها، وربما تستمر عقداً أو أكثر لتنقية تربتها من رواسب العهد البائد، هذه الحقيقة يجب التعامل معها من منطلق ثوري بحت، بحيث لا تهِنُ الإرادة ولا تضعف العزيمة في تحقيق الأهداف؛ لأن جذور الفساد أكبر من أن تُزال بزوال الفرد أو إلغاء امتياز أو مصادرة أملاك، فاجتثاث العلة الخبيثة لا يعني براءة الجسد، لأن الأورام تعاود النمو إن لم يكن العلاج فاعلا وحاسما.

Ad

الثورة المصرية أنجزت ربيعها الأول بإسقاط النظام، وخاضت وما زالت جولات قاسية للدفاع عن وجودها ومحاولات احتوائها وأرشفتها، وربما تصنيفها بأحسن الأحوال "كحركة شبابية" أو "غضبة اجتماعية"، وينتهي مفعولها تدريجيا، تلك كانت الرغبة العسكرية وما خلفها بل الرغبة الإقليمية والدولية لأن مصر السيادة والدور غير مرغوب فيها بالمنطقة، وذلك خشية عودتها للفعل والتفاعل مع المحيط، ناهيك عن امتلاك الشارع لصناعة القرار.

والانتخابات المصرية كانت الربيع الثاني، وأظهرت سعة التنوع بالمجتمع المصري بحيث لم يحصل أي من المرشحين على نسبة مريحة تؤهله للانفراد بتطبيق مشروعه، إضافة إلى سوء التكتيك الانتخابي الذي أوصل الأصولية إلى السلطة- ولكنها من قوى الثورة- والتي تثير شك البعض في مدى التزامها في بناء حياة مدنية تحت سلطة القانون، ولكن المعركة الدائرة الآن ما بين القضاء والعسكر والرئاسة هي سياسية بامتياز، وإن كان في جانب منها صحيا ومردها لعقود من الإلغاء، ناهيك عن غياب مفهوم الدولة أصلا.

وهذا يحتم على قوى الثورة التكاتف معا في وجه محاولات الإجهاض، والمعنونة باسم سيادة القانون وشرعية المؤسسات بعيدا عن الحساسية الإيديولوجية لأن الرئيس (محمد مرسي) هو الرئيس الشرعي لمصر وابن الثورة، وفشله ليس فشلاً لشخصه أو لتياره، إنما لمشروع الثورة وأهدافها، وهذا ما يجب الحذر منه, وأيضا من فخ الفصل بين "الثورة والتيار الديني"، ناهيك عن كثرة الصراعات التي ستبطئ الإنجازات مما يعطي الانطباع بأن برنامج الثورة لا يتعدى "شهوة السلطة وتصفية الحسابات".

سلوك النظم الفاسدة عبر عقود مضت أضحى ثقافة عامة وركناً في آلية تفكيرنا، وحتى لو تخلصنا من الرموز والهياكل- وهي خطوة تغييرية بلا شك- ولكن النفس تبقى حاضنة لرواسب تلك المرحلة فترة من الزمن حتى تستوعب عملية التغيير وتتأقلم مع فضاء الحرية والاختلاف.

ومن هذا المنطلق يجب النظر إلى الصراعات الداخلية بعد الربيع العربي بأنها متوقعة قياسا لأهمية المولود ودوره، بل ضرورته في البناء والتغيير، ومن هنا يجب التسلح بالصبر وقوة الشكيمة لأن طريق بناء الدولة المدنية وسيادة القانون سالكة بصعوبة جدا باعتبارها خطوة جدية نحو البناء.