أول العمود:

Ad

من العلامات الفارقة في الحياة السياسية الكويتية أن مسألة إجراء انتخابات مبكرة للبرلمان، وكذلك الاستجوابات المتلاحقة للوزراء أصبحتا جزءاً من الحديث اليومي للناس... ومن دون تخوفات وقلق.

***

الرد السريع الذي تقدمت به شخصيتان لهما ثقل ووزن لا يبارى في المنطقة العربية والخليج (رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون، ونائب رئيس المجلس التأسيسي د. أحمد الخطيب) حول مسألة الاتحاد الخليجي، كان له أثر كبير في توجيه الرأي العام الكويتي وربما الخليجي الشعبي نحو رفض الفكرة دون تحقيق مسبق لشروطها، ودون استكمال أدوات "التعاون" التي ذابت عبر 3 عقود من الزمن هي عمر مجلس التعاون لدول الخليج العربية!

وأظن أن رأيَي الرئيس السعدون ود. الخطيب قد رفعا الحرج عن الجانب الرسمي الكويتي الذي عبر عن تحفظات في غير مرة استناداً إلى المسألة الدستورية التي أوضحتها أيضاً مراجع قانونية ودستورية معتبرة (د. محمد الفيلي ود. محمد المقاطع )، في برامج تلفزيونية.

في الحقيقة، إن طرح مسألة الاتحاد في هذا الوقت جاء من رحم التوتر الحاصل في منطقة الخليج وعنوانه المسألة الطائفية على أرض الشقيقة مملكة البحرين وما يتبعه من تصريحات وسلوكيات إعلامية وتعبوية إيرانية تجاهها، ولم تلق الدعوة حماساً من دول أخرى كعمان والإمارات العربية فضلاً عن الكويت، فلذلك تم تأجيلها لمزيد من الدراسة.

وطوال 30 عاماً وأكثر من عمر المجلس الخليجي لم يلمس مواطنوه أثراً ذا قيمة في حياتهم اليومية، إذ لا توجد سكك حديدية تربط عواصم المنطقة بعد مضي هذا الوقت الطويل!

الشاهد أن تعويم فكرة الاتحاد بين أنظمة سياسية مختلفة الهياكل، وضمور المشاركة الشعبية في الإدارة العامة باستثناء الكويت، وتعطل الكثير من المشاريع التي تسبق الوحدة كالاتحاد الجمركي والعملة الخليجية والجيش الموحد يجعل من المنطق التساؤل: لماذا الاتحاد الآن؟

إن الهاجس الأمني الذي دفع الدعوة الأخيرة غير مقنع، إذ لا توجد دلائل مؤكدة على قدرة إيران على الإتيان بعمل يفوق ما تقوم به اليوم تجاه بعض دول الخليج، كما لايزال مبدأ تأمين النفط حاضراً في ذهن الدوائر الغربية فالمنطقة تساهم بـ40% من الإنتاج العالمي، وهذه مسألة استراتيجية غير قابلة للتهاون من قبل الدول المستهلكة.

إذن لنعود إلى الحديث الأكثر منطقية والأجدر بالمناقشة، وهو أن على الدول الخليجية إجراء تغييرات جذرية تأخذ بعين الاعتبار المشاركة الشعبية الحقيقية في إدارة السياسات العامة في بلدانها، وأن يناقش القادة بتجرد الكثير من المشاريع المعطلة لأكثر من 30 عاماً، وأن يقنعوا شعوبها بالوحدة عبر ربط مصالح الناس الاقتصادية بشكل حقيقي، وإجراء التعديلات التشريعية المطلوبة التي تضمن تقارباً في الأنظمة السياسية. كما أن من المفيد الالتفات إلى جانب نفسي مهم في مسألة الاتحاد الخليجي يتعلق بطريقة مناقشة الملف، إذ لا يمكن أن تكون هذه القضية المهمة والخطيرة بعيدة عن الحوار الشعبي الخليجي وهو شبه معطل، إذ يجب على حكام الخليج تشجيع مثل هذه المنتديات لسماع آراء الشعوب في هذه المسألة وألا يقتصر الأمر على رغبة من فوق. وهنا نذّكر بأننا لم نسمع رأياً للمجلس الاستشاري الخليجي الذي يضم شخصيات شعبية حول هذا المشروع الكبير!

أخيراً، فإن مسألة الاتحاد تبدو أسلوب هذا العصر لنيل الدول عنصري الأمن والحياة، لكن يجب الانتقال بأمان إلى تلك المرحلة بدءاً من التعاون الذي لم يأخذ شكله الطبيعي بين دول الخليج وصولاً إلى الاتحاد الذي لم يجد من يدافع عنه بشكل صلب لافتقاده للشروط الأساسية.