لا يضير المعارضة السورية أن تكون تنظيماتٍ وتشكيلات وأحزاباً ووجهات نظر متعددة، لكن يضيرها ويعيبها ألا تستطيع الاتفاق والتوافق على منطلقات عامة، إن بالنسبة لإدارة الصراع مع نظام بشار الأسد وإن بالنسبة للصورة التي ستكون عليها السلطة البديلة عن هذه السلطة الاستبدادية التي أوصلت سورية العظيمة بلد الكفاءات والتاريخ والحضارة، إلى هذه الأوضاع المأساوية التي وصلت إليها، وعلى الصُّعُد كلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقيمية وعلاقات الإنسان السوري بأخيه.

Ad

كلّ أو معظم حركات التحرر العربية وغير العربية كانت قد مرَّت بحالة "التشرذم" هذه التي تمر بها المعارضة السورية، بل إن بعض البلدان قد شهدت حروباً أهلية بين فصائل قواها الوطنية وهي في غمرة احتدام الصراع بينها وبين عدوها المشترك، لكن الأوضاع الدقيقة التي تمر بها سورية الآن لا تسمح إطلاقاً بأن تقتتل تشكيلات معارضتها على جلد الدب قبل اصطياده، وأن تتسابق إلى تشكيل الحكومة الانتقالية، التي غدت مطلباً دولياً، مع اقتراب لحظة الحسم ولحظة سقوط النظام، حتى لا تقع البلاد في فراغٍ إن هو حصل فإن نتائجه ستكون كارثية.

الآن وبينما يشتبك الشعب السوري مع هذا النظام، الذي يواصل الإصرار على حلول العنف والقوة العسكرية الغاشمة في معركةٍ حاسمةٍ تشير كل الأدلة على الأرض، في ميدان المواجهة، إلى أن نهايتها باتت قريبة، فإن المفترض أن تكون قوى المعارضة بمستوى تضحيات هذا الشعب العظيم، وأن تُغلِّب الرئيسي على الثانوي، والعام على الخاص، وأن يتخلى بعض قادتها عن أنانياتهم ويكرسوا كل جهدهم للظهور بصورة لائقة أولاً أمام شعبهم وثانياً أمام العالم الذي يسلِّط حالياً عليهم الأضواء ويراقبهم لحظة بلحظة.

كانت الثورة الفلسطينية، التي كانت أطلقت حركة "فتح" رصاصتها الأولى عام 1965، قد ابتليت بفوضى التعددية التي تعانيها الآن المعارضة السورية، وكانت هذه الثورة الفلسطينية قد تعرضت لغزو تنظيمي شكل امتداداً لمعظم الدول العربية البعيدة والقريبة، وذلك إلى حدِّ أن عدد تنظيماتها بعد يونيو عام 1967 قد وصل إلى أكثر من ثلاثين تنظيماً، غالبيتها تنظيمات وهمية، لكن ولتوفُّر القيادة "الكارزمية" تم تحويل منظمة التحرير إلى حاضنة للجميع، وتم الوصول بها عام 1974 إلى أن تصبح الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني كله.

إن القوة الرئيسية بالنسبة إلى المعارضة السورية هي للذين يخوضون الصراع في الداخل، إن بالسلاح وإن بالمظاهرات السلمية، وهي للجيش الحر الذي هو بدوره بحاجة إلى الكثير من شدشدة "براغيه" الكثيرة، ولهذا فإن تشكيل الحكومة الانتقالية المطلوبة بإلحاح من قبل المجتمع الدولي يجب أن يبدأ من الداخل، ويجب أن يستند إلى المسارعة لأن يكون لهذا الجيش السوري الحر الباسل مجلس موحد يستطيع ضبط الأمور في الميدان ويحمي الثورة من كل محاولات تشويهها وتصويرها على أنها مجرد عصابات مسلحة وإرهابيين يرتبطون بـ"القاعدة" وبغيرها، ويُشكِّل القيادة التي بيدها كل الصلاحيات والقادرة على فرض إرادتها على الجميع.