يصر المالكي على أن العراق بكل مكوناته جزء لا يتجزأ من الأمة العربية! بحجة أن العرب يشكلون الأكثرية المطلقة في العراق "أكثر من 85 في المئة"، وهذه فرية ظل يكررها في أكثر من مناسبة، وهي شبيهة بالفرية التي تقول إن الشيعة هم الأكثرية في العراق لأنه لا يمكن إعطاء صورة دقيقة لحجم المكونات العرقية والمذهبية في ظل عدم إجراء إحصاء سكاني عام للبلاد.

Ad

بمناسبة قرب انعقاد القمة العربية في بغداد، ومن أجل استمالة دول الخليج، والسعودية على وجه الخصوص، للحضور إلى القمة واستثارة شعورهم القومي والعشائري، انتهز رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي فرصة المقابلة الصحافية التي أجراها مع صحيفة "عكاظ" ليذكرهم بأنه عربي أصيل ينتمي إلى عشيرة عربية عريقة من عشائر المملكة، وهي عشيرة المالكي التي نزحت إلى العراق منذ "مئات السنين"! وأن العراق بلد عربي ومازال يمثل قلعة الصمود العربي "فالعراق بلد عربي وتاريخه عربي وله مواقفه العربية، دمه ونبضه واهتماماته عربية"، كأنه يعيد "طقطوقة" السيد مكاوي الشهيرة "الأرض بتتكلم عربي" من جديد.

تذكر المالكي هذه الحقيقة الغائبة بعد مرور أكثر من سبع سنوات عجاف من حكمه، وعلى الرغم من أن الدستور العراقي الذي اتفق عليه الجميع فقد أكد أن القسم العربي من العراق فقط جزء من الأمة العربية وليس الكل، فإنه يصر على أن العراق بكل مكوناته العرقية المختلفة جزء لا يتجزأ من الأمة العربية! بحجة أن العرب يشكلون الأكثرية المطلقة في العراق "أكثر من 85 في المئة"، وهذه فرية ظل يكررها في أكثر من مناسبة، وهي شبيهة بالفرية التي تقول إن الشيعة هم الأكثرية في العراق لأسباب عدة في مقدمها أنه لا يمكن إعطاء صورة دقيقة لحجم المكونات العرقية والمذهبية ونسبها في ظل عدم إجراء إحصاء سكاني عام للبلاد، وأي كلام يسبق هذا الإجراء يعتبر ضرباً من التوقعات والتخمينات غير الدقيقة.

وحتى إذا احتكمنا إلى عدد سكان العراق بحسب بطاقات التموين، فإن عدد سكان المحافظات الثلاث الكردية التي يُشكل منها إقليم كردستان "عدا الأكراد الموجودين في محافظات كركوك وديالى والموصل وصلاح الدين... وبغداد، يبلغ أربعة ملايين و900 ألف إنسان، فإذا كان عدد سكان العراق 30 مليوناً بحسب التوقعات الظنية، فإن الأكراد "دون المكونات الأخرى العرقية والدينية" في كردستان وحدها ومن غير وجودهم في المحافظات التي ذكرناها، يقدرون بخُمس العراق، أي 20%، فكيف وصل العرب إلى النسبة الكبيرة التي ذكرها "نوري المالكي"؟!

وعندما سئل عن أسباب انحرافه السياسي الشديد "180 درجة" باتجاه النظام السوري "البعثي" القاتل ضد الشعب الأعزل، أعطى مبرراً واهياً أوهى من خيوط العنكبوت- أوهى من التبريرات التي ساقها لرفض الدعوات التي رفعتها بعض المحافظات السنّية للتحول إلى الإقليم بحسب الدستور- وقال بالنص: "فإذا كان العمل المشترك في الجامعة العربية (يقضي) بأننا نبصم ونوقع بدون أن نعطي رأياً، فلا الجامعة ستنمو ولا العرب سيستفيدون منها، إنما يجب أن يكون هناك الرأي الآخر، وهو موجود، والذي يعبر عنه العراق هو الرأي الآخر! وتابع: "أما وجود الرأي الآخر فلا يعني انعزالاً، نؤيده في جانب ونخالفه في جانب آخر"... انتهى كلامه "القيم"! وهو مفهوم لا يحتاج إلى شرح أو تفسير، فمن أجل تطوير الجامعة العربية ونموها وبدافع ترسيخ مبادئ الديمقراطية فيها، خالف سيادته قرارها القاضي بوضع حد للأعمال القمعية التي يمارسها النظام السوري بحق المواطنين الآمنين، وأخذ يمده بالمساعدات اللازمة لقمع الانتفاضة الجماهيرية، منطق غريب، لا يمكن فهمه، فهو يخالف الإجماع العربي ويساند المعتدي من أجل أن يطور مفهوم الديمقراطية في الجامعة العربية، والاختلاف في الرأي كما هو معلوم لا يفسد للود قضية.

ولم يخف سيادته كرهه الشديد لحزب البعث العربي الاشتراكي: "في أي بقعة على وجه الأرض"، "نقولها لك بصراحة وهذا ما قلناه حتى لسورية إن حزب البعث عاث في الأرض فساداً، فلا ندافع عن حزب البعث ولا نرى ضرورة لبقائه"... صحيح أن حزب البعث لم يعد له وجود على أرض الواقع منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية المباركة، بل تحول إلى حزب طائفي بغيض لا يمت بصلة إلى القومية العربية، فالمالكي لا يساعد حزب البعث ولا يدافع عنه، لأن حزب البعث قد انتهى وذهب إلى غير رجعة، وهذا صحيح، بل هو يساعد الحزب الجديد ويستميت في الدفاع عنه.

* كاتب عراقي