إضراب حتى النصر!
الحلول الحكومية باعتقادي هي السبب الرئيس وراء تفاقم مشكلة الكوادر، فالحكومة هي التي فتحت بوابة الزيادات الكبيرة وطبقتها على ناس وناس، ولم تقم بواجباتها في دراسة ملف الرواتب بشكل علمي وموضوعي وعلى أسس اقتصادية متوسطة وبعيدة المدى، ولا على ضوء الأرقام والمعطيات الواقعية.
حركة الإضرابات الحالية تدل على مؤشرات سياسية واضحة يجب أخذها بعين الجدية، لأنها من ناحية تعكس طبيعة المناخ السياسي العام وارتفاع سقف المطالب سواء في الخطاب أو في العمل الميداني، ومن ناحية أخرى فإن الحركة النقابية الكويتية برزت لها مخالب ساهم تنظيمها وشعبيتها وجرأتها في الطرح والموقف على التأثير الكبير في صنع القرار. ولذلك فإنه من السذاجة السياسية أن تحاول الحكومة التعامل مع مطالب النقابات، خاصة في ما يتعلق بزيادة المرتبات والأجور بعقلية الماضي التقليدية، فها هي الإضرابات باتت قادرة على شل الحياة العامة وتعطيل بعض الخدمات الأساسية ومنها حركة الطيران والجمارك، وقد تتوسع لتشمل عموم الجهاز الإداري، ناهيك عن حجم الخسائر التي قد تلحق بالاقتصاد الوطني، إضافة إلى استغلال البعض لمثل هذه الظاهرة لشفط ما تبقى من دماء المواطن البسيط عبر رفع الأسعار، الأمر الذي قد يعقّد الموقف اجتماعياً وسياسياً بشكل أكبر.وكذلك فإن البدائل التي تباركها الحكومة سواء بإنزال الجيش أو دعم الشباب التطوعي لسد النقص في الخدمات المتوقفة لا تسمن ولا تغني من جوع؛ نتيجة لقلة الخبرة والدراية وعدم وجود النفس الطويل في الاستمرار، رغم احترامي الشديد لغيرة وحماسة بعض الشباب الذين أعلنوا استعدادهم للعمل في تسيير الأمور الطارئة.أما الحلول الحكومية فباعتقادي هي السبب الرئيس وراء تفاقم مشكلة الكوادر، فالحكومة هي التي فتحت بوابة الزيادات الكبيرة وطبقتها على ناس وناس، ولم تقم بواجباتها في دراسة ملف الرواتب بشكل علمي وموضوعي وعلى أسس اقتصادية متوسطة وبعيدة المدى، ولا على ضوء الأرقام والمعطيات الواقعية، فبالأمس أُعلن آخر إحصاء رسمي بيّن أن عدد الكويتيين لم يتجاوز المليون ومئة ألف مواطن في حين شهدت موازنة السنة الحالية طفرة غير مسبوقة من الفائض المالي الذي وصل إلى حوالي 70 مليار دولار، أما نسبة التضخم في الكويت فهي الأعلى خليجياً على الإطلاق وتجاوزت الـ4% سنوياً خلال الأعوام القليلة الماضية. ومع هذه الحقائق فإن أي مقارنة للوظائف الفنية بين الكويتيين ونظرائهم في دول مجلس التعاون لا تكاد تذكر في ظل التفوق الواضح لمعظم أشقائنا في الخليج، ولهذا فإن الاستحقاق الأول الذي يجب أن تأخذه الحكومة على محمل الجد هو إعادة دراسة التوصيف الوظيفي، ومن ثم رؤية شاملة لزيادات مستحقة وعلمية وليس كردة فعل كما حصل في آخر اجتماع للخدمة المدنية، وللعلم فإن مجلس الأمة كان قد كلف الديوان بمثل هذه الدراسة، وتعهدت الحكومة بذلك ولم تفعل!وأخيراً يجب أن تتغير عقلية الحكومة في النظر إلى الزيادات، فعلى سبيل المثال بدلاً من احتساب كلفة كوادر العاملين في الخطوط الجوية الكويتية وإدارة الجمارك يفترض أن تدرس الحكومة كيفية تطوير المطار وجذب الرحلات والبضائع لتكون إضافة اقتصادية حقيقية للدولة، ولكن في ظل الخمول والرهان على الوقت فإن الإضرابات سوف تكون هي سيدة الموقف، وسوف تؤتي ثمارها وتنتصر شاءت الحكومة أم أبت!