مطرب "راب" مغمور لا يعرفه أحد، ولا أريد أن أقول نكرة، رصدت فتوى جديدة للسلطة الدينية في ايران مبلغ مئة ألف دولار مكافأة لرأسه. قصته تذكرنا بالروائي الشهير سلمان رشدي وفتوى اهدار دمه والتي صدرت بحقه أيضا من قبل السلطات الايرانية. لم يقتل سلمان رشدي واستمر في اصدار رواياته رغم حالة الرعب التي عاشها تحت رعاية وحماية الشرطة البريطانية.

Ad

شاهين نجفي مطرب وكاتب أغاني أصدر أغنية بعنوان "نقي" تعرض فيها للمعتقدات الدينية الشيعية وما كان لأحد أن يسمع به أو يهتم بغنائه خصوصا أنه يغني باللغة الفارسية، لولا الفتوى التي صدرت بحقه ما كان لأحد أن يلتفت الى مطرب مقلد لثقافة مغايرة لثقافته لولا هذه الفتوى التي بالتأكيد كان يتوقعها نجفي وعوّل عليها كثيرا. الفتوى حققت لنجفي ما يريد. صورته على الصفحة الأولى في الصحف البريطانية المهمة كالغارديان والانديبندنت، تم ترجمة أغنيته الى الانكليزية التي لا يجيد منها حرفا فاضطرت محطة CBC للاستعانة بمترجم للقاء به في مخبئه في ألمانيا، يقترب عدد مشاهدي اليوتيوب الذي نشر أغنيته الى المليون خلال أيام.

يحتمي نجفي حاليا بالحماية الألمانية بعد أن أطلقوا عليه لقب سلمان رشدي الموسيقى، وأتوقع أن مصيره سيكون مصير سلمان رشدي. سيحقق الشهرة والثروة معتمدا على بيت شعر عربي ربما لا يعرفه: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا.... فابشر بطول سلامة يا مربع. وما صرح به أنه عرضه للقتل بسبب انتقادة للحياة السياسية في ايران وليس للمعتقد الديني ليس سوى استفادة من الوضع السياسي الحرج لايران. المشكلة الوحيدة التي قد يواجهها نجفي هي انتشار صورته بشكل كبير في الوسط الاعلامي ووسائل التواصل الاجتماعي بعد أن كان لا يعرفه أحد اذا كانت تلك مشكلة بشكل أو بآخر.

الفتوى الذي ظن صاحبها أنها تخدم الاسلام بالفتك بمطرب مغمور هي ذاتها التي تقدم صورة الاسلام على الصفحات الأولى للصحف العالمية بصورة مغايرة لحقيقته. فهو دين قتل لكل من يقدم رأيا مختلفا أو ينتقد ما هو مقدس. الغرب ليس له أن يستوعب ردة فعل غير مدروسة. وما تفعله القلة المنفعلة ينطبق على عموم الفكر الاسلامي بكل انجازاته الحضارية التي يحصرها ضيقو الأفق بقتل مطرب تافه ومغمور. فلا بقاء نجفي أو قتله سيخدم صورة الاسلام المتهم بالارهاب والتهديد بقتل معارضيه واعدامهم.

حكاية نجفي والفتوى الصادرة بحقه جاءت في وقت تتكرر فيه حكاية صناعة النكرات الذين يحققون أحلام شهرتهم من خلال التعرض لمعتقدات المجتمع الدينية بشكل مباشر وفج وهم ليسوا أهلا أو مؤهلين لحكاية النقد الديني. واذا كان نجفي لا يشكل خطرا على مجتمعه في طرحه، فإن الوضع في مجتمعنا مختلف تماما. ان التركيبة الخاصة للمجتمع الكويتي تجعل هذا التعرض محل فعل وردة فعل مضادة وتبدو المسألة شبيهة بفكرة الثأر الذي لا نهاية لها.

الى جانب ذلك النزاع الاجتماعي والفتنة المحتملة بين طوائف المجتمع الصغير هناك ما لا يقل خطورة عن ذلك. سيتعرض كل مفكر يحمل رأيا مخالفا للثقافة الدينية السائدة لوضعه في وضع مشابه لهؤلاء النكرات ويطبق عليه القانون الذي تجتهد في اقراره القوى الدينية. القانون الذي تسعى لاقراره الاغلبية الدينية تحت وطأة العاطفة والدفاع عن المقدس سيفتح المجال لمحاكمة المفكرين والشعراء والكتاب وفتح باب التأويل لكتاباتهم وتطبيقه عليهم. باختصار هي محاولة يسعى رجال الدين السياسي من خلالها الى تحجيم  حرية الفكر المغاير مستغلين عاطفة مناصريهم في الذود عن المقدس. أما الهدف الحقيقي فهو أبعد من ذلك بكثير.