بين واشنطن وإسرائيل... تصادم وشيك بشأن إيران

نشر في 13-12-2012
آخر تحديث 13-12-2012 | 00:01
بحلول الصيف المقبل ستكون إيران قد خصبت إلى نسبة 20% ما يكفي من اليورانيوم لتعيد تخصيبه لمواد يمكن استخدامها في صنع قنبلة في غضون 3 أشهر، ويتوقع أن تشعر إسرائيل بالخطر وأن تكون ردود فعل قادتها أكثر توتراً وحزماً، مقارنة بنظرائهم الأميركيين.
 ناشيونال إنترست مع تراجع أعمال العنف في غزة وإسرائيل للفترة الراهنة على الأقل، من المرجح أن تعود المحادثات الأميركية-الإسرائيلية لتتمحور حول المسألة الإيرانية الأكثر أهمية.

كانت إدارة أوباما وحكومة نتنياهو على قدر كبير من التفاهم خلال الأزمة الأخيرة في غزة، فقد بدا قائدا هذين البلدين قادرَين على وضع عدم الثقة والكراهية المتبادلَين بينهما جانباً والعمل معاً لنزع فتيل الأزمة، ولكن يمكننا توقع اضطرابات أكبر في علاقتهما نحو منتصف العام المقبل، عندما تبلغ المسائل المرتبطة بالمشروع النووي الإيراني مستوى جديداً.

ستشهد تلك المرحلة عدداً من التطورات المهمة: أولاً، ستكون إيران قد أحرزت المزيد من التقدم في برنامجها النووي، مقللةً الوقت الذي تحتاج إليه لتحول "قدرتها النووية العسكرية" إلى أسلحة فعلية، فوفقاً للمسار الذي تتبعه إيران اليوم، ستكون بحلول الصيف المقبل قد خصبت إلى نسبة 20% ما يكفي من اليورانيوم لتعيد تخصيبه إلى مواد تستطيع استخدامها في صنع قنبلة في غضون ثلاثة أشهر. وبما أن من الطبيعي أن تشعر إسرائيل بأن هذه التطورات تعرضها لخطر مباشر وملح، فستكون ردود فعل قادتها أكثر توتراً وحزماً، مقارنة بنظرائهم الأميركيين.

في هذه الأثناء، ستبذل إدارة أوباما على الأرجح جهداً كبيراً لتحل هذه المسألة دبلوماسياً بقبولها للمرة الأولى بمفاوضات مباشرة مع إيران. وبما أن الحروب المتكررة أنهكت الولايات المتحدة، فلا شك أن أوباما سيبذل جهودا جبارة ليحل النزاع النووي مع إيران بالطرق الدبلوماسية. في مطلق الأحوال، ستكون هذه المحادثات ضرورية للبرهان أن الولايات المتحدة لم تألُ جهداً لتتفادى الحرب.

ظهرت أخيراً تقارير غير رسمية تشير إلى أن الحكومتَين الأميركية والإيرانية سبق أن وافقتا على إجراء محادثات مماثلة، ولكن لم يتضح بعد ما إذا كان المحاورون الإيرانيون في هذه المناقشات التمهيدية مفوضين من القائد الأعلى لتحديد أجندة تفاوض، وبما أن تأثير العقوبات بات شديد الوطأة على الاقتصاد الإيراني، فقد يكون علي خامنئي أكثر استعدادا للتفاوض على أمل تخفيفها قبل أن تؤدي إلى موجة من الاستياء والتظاهر تهدد نظامه.

نظرًا إلى هذين المسارَين، من المتوقع أن تواصل إدارة أوباما ضغطها على إسرائيل كي تمنعها من مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية ما دام الخيار الدبلوماسي ما زال يحمل بصيص أمل، لكن نتنياهو سبق أن عبّر عن خوفه من أن تستغل إيران المفاوضات لتضيع الوقت إلى أن يكون برنامجها النووي قد بلغ مرحلة متقدمة جداً وتعجز حتى الولايات المتحدة عن وقفه. كذلك تقلق إسرائيل من أن تؤدي حماسة الولايات المتحدة لعقد صفقة إلى اتفاق قد يشمل القبول ببعض نشاطات إيران لتخصيب اليورانيوم، وهذا احتمال يعتبره نتنياهو بالغ الخطورة.

لا شك أن الانتخابات الإسرائيلية المقرر عقدها في 22 يناير ستفاقم هذه الاضطرابات. يُشير الائتلاف المعلَن بين حزب الليكود الذي يرأسه نتنياهو وحزب وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان اليميني المتشدد إلى أن حملة نتنياهو الانتخابية ستركز على التوصل إلى التسوية لوضع حد لبرنامج إيران النووي. وإن فاز هذا الائتلاف، كما هو متوقَّع، فسيشعر قادته على الأرجح أنهم يتمتعون بتفويض شعبي للقيام بكل ما يلزم بغية بلوغ هذا الهدف.

نتيجة لذلك، قد تتفاقم الخلافات الأساسية بين الولايات المتحدة وإسرائيل في الشأن الإيراني، فإن تبنت إسرائيل في علاقتها مع واشنطن المقاربة العدائية عينها التي أعرب عنها ليبرمان في تعاملاته السابقة مع مصر وتركيا والسلطة الفلسطينية، فلا شك أن الخلافات الأميركية- الإسرائيلية ستزداد حدة. والأكثر أهمية على الأرجح أنه لم يتضح بعد ما إذا كان سيُطلب من قادة الليكود الأكثر اعتدالًا، الذين رفضوا أي عملية عسكرية ضد منشآت إيران النووية خلال السنة الماضية، الانضمام إلى الحكومة الجديدة، خصوصا أن عدداً منهم، مثل دان مريدور وبيني بيغين، خسروا مقاعدهم في الانتخابات الأولية لحزب الليكود.

مع هذا التراكم الوشيك في وجهات النظر المختلفة، ماذا تستطيع الولايات المتحدة فعله لتتفادى التصادم الأميركي- الإسرائيلية في القضية الإيرانية؟

أولاً، على الولايات المتحدة وإسرائيل أن تعمقا تعاونهما من خلال مجموعة واسعة من التدابير غير العسكرية، ما يساعدهما في الحدّ من تقدّم برنامج إيران النووي. ولا شك أن نجاح تدابير التعاون هذه سترجئ تراكم مصادر التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل بتأخيرها التقدم الإيرانيين وبتقويتها أيضًا الثقة بين واشنطن وتل أبيب.

ثانيًا، ينبغي لنتنياهو وأوباما أن يتفقا على "قواعد تعامل" تحدد حوارهما المستقبلي بشأن إيران، وعليهما أن يتفقا بشكل خاص على تفادي التصادم العلني بشأن إيران، الذي انجرا إليه قبل الانتخابات الأميركية. بدلاً من ذلك، يجب أن تتبع مناقشاتهما الأسلوب الهادئ ذاته الذي اعتمده رئيس الوزراء إيهود أولمرت والرئيس جورج بوش الابن في التعاطي مع المفاعل النووي السوري (دُمّر عام 2007).

ثالثاً، يجب على واشنطن أن تتفادى أي سوء تفاهم، وذلك بالتكلم بصوت واحد واستغلال كل قنوات التواصل الخفية (خصوصاً العلاقات المتعددة المستويات بين الأوساط الدفاعية والاستخباراتية الأميركية والإسرائيلية) بغية التعبير دوماً عن مصالح الولايات المتحدة الوطنية بوضوح وثبات.

أخيراً، يلزم أن يبذل قادة البلدَين قصارى جهدهما للتوصل إلى تفاهم مشترك، سري، ومفصل بشأن مسائل أساسية في المحادثات الأميركية-الإيرانية: ما نسب التخصيب وكميات اليورانيوم المخصب التي سيُسمح بها لإيران؟ وأي منشآت نووية سيُسمح لإيران بمواصلة العمل فيها؟ وما تدابير التحقيق والمراقبة التي قد تُعتبر كافية للتأكد من أن إيران لم تبدأ سعيها لتطوير قنبلة؟ وما المعايير التي ستُعتمد في الحكم على تقدم المفاوضات للحرص على أن إيران لا تستخدم هذه المحادثات كغطاء كي تواصل مساعيها النووية؟

رغم عمق التحالف الأميركي-الإسرائيلي واتساعه، تبقى الولايات المتحدة وإسرائيل دولتين منفصلتين لهما مصالحهما الوطنية الخاصة. ولكل منهما حكومة منتخَبة ديمقراطياً تُعتبر مسؤولة عن حماية مصالح أمتها الأساسية وفق ما تراه مناسباً. ولا يمكننا توقع أن توكل أي منهما إلى الأخرى مهمة ضمان بقائها واستمرارها.

ولكن إن كانت الولايات المتحدة وإسرائيل ترغبان في تفادي الاضطرابات التي يتوقع أن تسببها إيران في عام 2013، فعلى القادة الأميركيين والإسرائيليين العمل معا. وباعتماد التدابير الموصى بها أعلاه، ينجح هذان البلدان في وقف برنامج إيران النووي والحد من تأثيراته السلبية.

Shai Feldman & Graham Allison

back to top