قناع
![د. ابتهال عبدالعزيز الخطيب](https://www.aljarida.com/uploads/authors/991_1667658654.jpg)
وأما سياسياً فهناك ألف عرف وألف حد، وهنا كذلك تستخدم المحبة المحشوة بالخوف لتمنعك من حرية رأيك. فأنت تحب بلدك، كل نقد له إذن هو خيانة، أنت تحب حاكمك، كل اعتراض إذن هو مساس، أنت مصدر السلطات لكن اعتراضك بلطجة ومشاركتك تدخل فج، نحن بلد الحريات، فقل ما تشاء، طالما أنك لم تمس، وأنك لم تغلظ القول، وطالما أنك راعيت مشاعر الطوائف المختلفة، وأخذت بالاعتبار حساسية أبناء القبائل، واحترمت الخطوط الحمر لأبناء الحضر، وطالما أنك لم تدع إلى اعتصام ولم تمش في مسيرة، وطالما أنك فكرت مئة وأربعين مرة في المئة وأربعين حرفاً التي ستكتبها على "تويتر"، ويا حبذا لو لم تشر إلى الدين فلسفياً أو لمناقشة الوجود الإلهي، ولو أنك تجنّبت التاريخ الإسلامي والبحث في علاقات الصحابة وتاريخهم، ولو أنك ما خضت في التاريخ السياسي الحقيقي للكويت وفي مسيرة الأسرة الحاكمة، كن دوماً حصيفاً، فليس كل ما يعرف يقال، ولا ضرورة للأبحاث العلمية التي قد تثير القلاقل، فما لا نعرفه لا يضرنا، وهكذا نحن، أفضل ونحن لا نعرف. في الحقيقة، وبخلاف الكذب الصريح، فليس لحرية الرأي حد، أن يكون رأياً سيئاً أو طيباً، أن يكون رخيصاً أو نفيساً، أن يكون راقياً أو وضيعاً، فهو رأي وله ذات المساحة، وإن لم يستحق ذات الاحترام. أن تفسح لألف رأي سيئ المساحة للخروج والتنفيس أفضل من أن تكتم رأياً طيباً واحداً خوفاً من الحرية واتقاء تداعياتها. حتى نتعلم هذا المنطق ونهضمه تماماً، حتى نستوعب أن حرية الرأي هي أغلى وأثمن مبدأ إنساني يجب ألا يتعداه أو يعلوه مبدأ، حتى نؤمن أن ثمن الحرية دوماً سيبقى قليلاً مقارنة بالمكتسبات الناتجة عنها، سنبقى ندور في حلقة مفرغة من الاتهامات بالأذى النفسي، أنت جرحتني برأيك وأنا جرحتك برأيي، فنضع ألف مقياس للرأي المهذب، وندور في ألف ساقية مما يجوز ولا يجوز، ونضع ألف سقف، ونرسم ألف خط، كل على مشتهاه وقدرته الاحتمالية، فننسى الرأي، ونتجاهل الفكرة ونبقى ندور حول طريقة التعبير عنها.حرية الرأي مقدسة، فإذا تعرضنا لقدسيتها فسيكون نصيبنا ناراً كاوية من الاختلافات والصراعات التي لن تخمد. الحرية، مصدر الأمن، رونق الحياة، أصدق السبل وأسرعها للحقيقة.*اقتباسات من قصيدة الصبا والجمال لبشارة الخوري، غناء محمد عبدالوهاب.